منذ زمن بعيد... بعيدٌ أو ربما قريب، في أرض منسية

أرض كانت يومًا لي ولنا و... لهم

قبل أيام «الشاكوش»، وفجر صاحب القرش المنفوش

عاش هناك جنس من الأبرياء؛ أنا وأنت، وفي الظلام...هم

الثقافة كانت كتب أوراق وأقلام

والتربية يا ولدي عيب ويا ولدي وحرام

حيث ولدنا، عرفنا السرّة في البرتقال...

ورسمنا قوس قزح رمزًا للطفولة والهدوء والأمان

تعلمنا حرمة البيت ومحبة الجيران،

غسيلنا أبيض وبالألوان للشمس يعرض لا للأثير والزعران

في الأرض التي كانت يومًا لي ولنا و... لهم

الحب كان عذريًا والخجل على الخدود وضّاح

عرفنا الأقراط للفتيات والعضلات لسواعد العامل والفلاح

ولا في الأحلام توقعنا رؤية فلان بالخصر لوّاح

ولا جسد فلانة لكل ناظر أمرٌ مباح

في الأرض التي كانت يومًا لي ولنا و... لهم

كان لدينا نصيبنا من الأبطال، أبو زيد الهلالي وعنترة وابن عجلان

لم نلوث بسخافات «سمعان» في بلاد الطرشان ولا جرينا خلف «الخبلان»

الفكر كان حكم ومواعظ... لا سفاهة وتخلف، أو حتى تمجيد لكل فارغ وكل جبان

في الأرض التي كانت يومًا لي ولنا و... لهم

عرفنا اللام لهفة لطف ولمعان

الجيم جمال جودة وجذلان

التاء تقوى تحمل وتفان

الكاف كسب كرم وكيان

الألف أصالة أمن وأمان

والباء بطل وبراعة وبيان

والزائد (+) إضافة بلا نقصان

هذا قبل تشويه أحرف الأبجدية وأصبحت المعاني

بلا لطف بلا جودة بلا تقوى بلا ضمير أو وجدان

تهدد كيان كل أسرة وتحرمها من نعمة الأمن والأمان

وهذا وصفي لهم بلا زيادة أو نقصان

السعادة كانت تآلف وتكاتف محبة وأمان، والأمن أسرة والنقاء تقوى الروح وحلاوة الإيمان

في الأرض التي كانت يومًا لي ولنا و...لهم

عرفنا التعرق كعلامة للجهد والبناء والرغوة لنظافة الأبدان

العرض لنا ناموس والشرف لا يباع ولا يهان

في الأرض التي كانت يومًا لي ولنا و...لهم

كل الأشياء لها موسم، أو هكذا سمعنا أجدادنا يقولون

أضعنا موسم الليمون وموسم الزيتون لنتوه في مواسم مرج عيون

سُحِبنا إلى غياهب إخوانية وتفرعات نسوية وزين الفضاء بألوان وأعلام جندرية

«لقد قطعنا شوطُا طويلًا، يا أعزائي وانتصرنا على الجوع والبطالة والعنصرية»،

يبيعون الوهم وبالمجون يتبجحون!

في الأرض التي كانت يومًا لي ولنا و...لهم

نواجه اليوم عالمًا جديدًا شجاعًا يحرق القرآن ويشجب السامية!

ونتساءل: لماذا يستخدمون حروفًا صغيرة لنقل جرائمهم الوحشية،

والبنط العريض لعناوين أحداثنا اليومية؟!

في الأرض التي كانت يومًا لي ولنا و...لهم

لنخبر أطفالنا عن كان يا ما كان في قديم الزمان

وطال المطال يا زمن الأول... كل شيء تغير وكل شيء تحول

ومشتاق لك يا نور عيوني بعد غياب الزمن الأول

في الأرض التي أخرستني وألجمتكم و...أطلقتهم

ربما يجب علينا أن نشكرهم فهم على الأقل أبقوا لنا... الذكريات!

لكنهم يريدون منا إما ان نستكين ونتقبل أو نرتقي إلى السماء؛

فهل نترك لهم الكرة الأرضية التي طبقًا لما اخترعوا من الأحقيات، باتت لهم...

الأرض التي كانت يومًا لي ولنا وفي ظلال الظلام...لهم؟!

في المنطق يعرف «المطلق» على أنه هو مفهوم يدل على معنى مادة كاملة تتمتع بواقعها المستقل. هنالك من يعتقد بأنه لا يوجد خيرًا مطلق ولا شرًا مطلق، وعليه ينأى بنفسه اتخاذ موقف تجاه الأفعال السيئة، كمن يحتمي وراء تأييد مبدأ «حرية شخصية» أو «قرار شخصي»، حسنًا ولكن عندما نبدأ بالتنازل عن قيمة واحدة، تصبح جميع القيم الأخرى في خطر حيث يبدأ التجريف التدريجي للقيم، هنا نصبح في قلب المسؤولية وواجهتها؛ لأننا بهذا الموقف نكون مسؤولين عن كل أسرة يتم تفكيكها، عن جنوح كل مراهق، عن ضياع مستقبل كل شاب يُضلل؛ وعليه أليس التفكيك مفهوم مطلق، الجنوح مفهوم مطلق، الضياع مفهوم مطلق، سواء كنت تتحرك لتواجه التيار أم تقف وتتفرج على ضياع جيل بأكمله، أليس الوقف أو التحرك أيضًا أمر مطلق؟!

لمن يرى بأنه يوجد مساحة واحدة لكل قضية؛ ألا وهي الوسط حيث لا موقف ولا قرار، هو إنسان غير مسؤول! لأن لكل قضية وجهان: جانب الحق وجانب الباطل. إنه إن شاء أم أبى يقوم بدور الأنبوب الذي ينقل دم الحق إلى عروق الباطل، لأنه بوعي أو بغير وعي هو يُستخدم!

هنالك مقولة تصف هذا الموقف تمامًا: «الشيء الوحيد الذي يحتاجه الشر لكي ينتصر، هو أن يقف الأخيار مكتوفي الأيدي يتفرجون»!