فإذا كانت علاقة العرب بالأمريكيين تعود إلى زمن قديم، يقرب من القرن الثامن عشر، وهو ما نجد سندا له في كتاب الرحالة العراقي إلياس حنَّا الموصلي «رحلة أول شرقي إلى الولايات المتحدة الأمريكية»، والذي هاجر إلى أمريكا في منتصف القرن الثامن عشر، وما تلا ذلك من هجرات متتابعة، فإن العلاقات العربية - الأمريكية منذ بدأت كان يسودها الارتياب والتوتر، الذي لا يزال مستمرا إلى اليوم.
والسبب -في تصوري- يعود إلى عدم استيعاب العرب الذهنية الأمريكية، وإدراك حقائقها وفلسفتها، وفي المقابل عدم فهم الأمريكيين الذهنية والطبيعة العربية. وقد تولد عن عدم هذا الفهم المتبادل توتر بين الذهنيتين، أدى إلى نوع من الصراع الخفي والظاهر بينهما، وأحدث فجوة واسعة في العلاقات.
وإن كان المهاجر اليهودي، كما يقول المفكر العراقي أمين المميز، أدرك هذه الذهنية جيدا يوم أراد كسب تأييد نواة المجتمع الأمريكي لقضيته، فأصبح يوجه هذه الذهنية كيف يشاء، في محاولة لإظهار كل شيء عربي بمظهر المتناقض تماما للذهنية الأمريكية، وذلك من خلال حشد أدلة التفارق والضدية بين الذهنيتين، وإدخال حالة من الارتياب بينهما، لإبقاء العربي مدانا ومتهما، وأنه في تفكيره وفي نظم حياته بعيد جدا عن كل شيء أمريكي، وعلى طرفي نقيض مع الذهنية الأمريكية، خاصة في نظام وطريقة الحياة الأمريكية والتفكير الأمريكي، مما أوجد فجوة واسعة في العلاقات العربية - الأمريكية.
وهذا يعكس خطورة الدور الذي لعبته الجالية اليهودية الأمريكية في تشويه سمعه العرب، مما كان له الأثر السلبي على العلاقات العربية - الأمريكية الثقافية، حيث هيأ اليهود أرضية خصبة من خلال إدخال القيم السلوكية الأمريكية، وإقرارها كلغة تعامل، معتبرة أن القيم العربية مغايرة تماما لقيم المدنية الأمريكية.
فالاختراق اليهودي لمراكز القرار والتوجيه الحضاري والشعور العام، وتسيدهم أجهزة الإعلام والسينما الأمريكية مكنا اليهود من تقديم صورة نمطية مشوهة ذات مغزى سلبي عن العرب، وظفت على المستوى السياسي والإعلامي والأدبيات والثقافة الأمريكية، فهذا الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون يقول في كتاب «اقتناص الفرصة» أو «الفرصة السانحة»: «إن معظم الأمريكيين ينظرون نظرة موحدة إلى المسلمين على أنهم غير متحضرين»، وصفات أخرى ذكرها لا أود أن أذكرها يدخل طبعا في ذلك العرب.
هذه الصورة النمطية لم تأت من فراغ، وإنما بسبب الإعلام، سواء من خلال الأخبار أو أفلام هووليود أو مقالات السياسيين، فعندما ننظر إلى الفنون المرئية (السينما والتليفزيون) الأمريكية نجدها تظهر العربي في صورة الإنسان المتخلف في الأفلام مثل «غزاة التابوت الضائع» و«تبادل المواقع»، ومجموعة ضخمة من الأعمال الأخرى. نحن بالطبع نعلم أن الفن الكوميدي دائما يتجه إلى المبالغة الكاريكاتيرية التي تعتبر أهم وسائل هذا الفن، ونعلم أن السينما الأمريكية تسخر من الجميع، ولا أحد ينكر على السينما أنها تستخدم السخرية أو النكتة أو حتى مجرد الإضحاك، فهذه طبيعة الفنون.
لكن في الوقت نفسه نكون مفرطين في السذاجة إذا فات علينا أن ندرك أن السينما الأمريكية صارت تتعامل مع العربي كشخصية نمطية ذات مغزى سلبي يعكس صورة سلبية للمشاهد، وأهم مقومات هذه الصورة السلبية: الجهل والعيش خارج إطار هذا العصر العلمي، والتعصب الأعمى، والغباء، والطباع المنفرة، والذكاء غير الإيجابي [المكر]، وهذه الصفات تظهر في أية شخصية عربية في السينما الأمريكية.
صحيح أن السينما الأمريكية سخرت من المكسيكيين واللاتينيين والهنود والروس والسود الأمريكيين وبعض الأمريكيين البيض، ولكن بدرجات متفاوتة، وعكست الوجه المشرق لجميع هؤلاء بين الفينة والأخرى، بينما ظل العربي هو الوحيد الذي يطل دائما على الشاشة بوجه واحد سلبي. في المقابل، ينال اليهودي تشخيصا سينمائيا إيجابيا، دائما، فهو الإنسان الذي يكافح، ويصل بعرقه، ويتحدى الظروف المعاكسة.
ولذلك على العرب أن يدركوا أن المؤسسة الإعلامية الأمريكية لن تنظر لهم بعين التعاطف، فالعربي هو المستضعف المفضل في نظر الإعلامي الأمريكي.
وعلى الرغم من اعترافنا بالقيم الأمريكية، فإن بعض تلك القيم تخضع لمعايير مزدوجة، ولا تنجح دائما في الالتزام بهذه المعايير عندما تكون موجهة نحو العرب. وإذا كان المجتمع الأمريكي امتاز بحب التسامح، ومبدأ المساواة، ووجود منظمات ومؤسسات وشخصيات ذات اتجاه إنساني محايد، فعلى العرب التركيز على تلك الشخصيات والمنظمات والمؤسسات.