يقال إن قصة السيد «رونالد أوبوس» هي قصة مليئة بالتحولات والانعطافات غير المتوقعة، وتعرض الشبكة المعقدة للقدر والمصير الذي يمكن أن يشكل حياتنا. قد يعتقد في البداية أنها قصة مأساوية عن الانتحار والموت العرضي، لكن الحقيقة وراء وفاة «رونالد» هي قصة مؤثرة عن الخداع والخيانة والمصادفة! هي تذكير بأن أفعالنا لها عواقب بعيدة المدى، وأنه حتى أكثر الخطط الموضوعة بعناية يمكن أن تنحرف عن مسارها بسبب القدر. ولكن هل هذا حقًا هو المغزى من المقالة، وهل هذه هي الحقيقة؟

في حفل عشاء جوائز الأكاديمية عام 1994 روى الدكتور «دون هاربر ميلز» الذي كان أستاذًا في علم الأمراض والطب النفسي بجامعة جنوب كاليفورنيا، وكان حينها رئيسًا للأكاديمية الأمريكية لعلوم الطب الشرعي، الحدث الجنائي التالي: «شاهد الطبيب الشرعي جثة «رونالد أوبوس»، وخلص إلى أنه مات متأثرًا بجروح في رأسه. وكان السيد «أوبوس» قد قفز من شرفة الطابق العاشر لمبنى مكون من عشرة طوابق عازمًا على الانتحار. وكان قد ترك رسالة تشير إلى يأسه. ولكن بينما كان يسقط متجاوزًا الطابق التاسع، قتل وانتهت حياته بسبب طلق ناري اخترق النافذة واستقر في رأسه، مما أدى إلى مقتله على الفور.

لم يكن مطلق النار ولا المتوفى على دراية بتركيب شبكة أمان أسفل مستوى الطابق الثامن لحماية بعض عمال البناء وأن «رونالد أوبوس» لم يكن ليتمكن من إكمال انتحاره بالطريقة التي خطط لها.

الغرفة في الطابق التاسع، من حيث انطلقت رصاصة البندقية، كان يسكنها رجل مسن وزوجته. كانا يتجادلان بحدة وكان يهددها ببندقية! لقد كان مستاءً للغاية لدرجة أنه عندما ضغط على الزناد، أخطأ زوجته تمامًا، وخرقت الرصاصة النافذة، وأصابت السيد أوبوس».

عندما ينوي المرء قتل الشخص «س» ولكنه يقتل الشخص «ص» في المحاولة، يكون الشخص مذنبًا بقتل «ص». وعند مواجهة تهمة القتل، أصر الرجل العجوز وزوجته على أن البندقية لم تكن محملة بأي طلقة، وأفاد الرجل العجوز أن تهديد زوجته بالبندقية التي تم تفريغها كانت عادة قديمة، فهو لم يكن لديه نية لقتلها، لذلك، فإن مقتل السيد «أوبوس» كان حادثًا؛ أي حتى على افتراض أن البندقية قد تم تعبئتها عن طريق الخطأ.

كشف التحقيق المستمر عن رجل كان قد شاهد ابن الزوجين يعبئ البندقية قبل حوالي ستة أسابيع من الحادث المميت، واتضح أيضًا أن السيدة العجوز كانت قد قطعت الدعم المالي عن ابنها وأن الابن، وهو يعلم ميل والده لاستخدام البندقية كتهديد، قام بتعبئة البندقية متوقعًا أن يقوم والده بإطلاق النار على والدته.

ونظرًا لأن الذي قام بتعبئة البندقية كان على علم بذلك، فقد كان مذنبًا بارتكاب جريمة القتل بالرغم من أنه لم يضغط على الزناد بالفعل. وبهذا أصبحت القضية الآن قضية قتل من جانب الابن للسيد «رونالد أوبوس».

الآن يأتي التطور الغريب.. كشف تحقيق إضافي أن الابن لم يكن سوى «رونالد أوبوس»! لقد أصبح يائسًا بشكل متزايد بسبب فشل محاولته تنفيذ خطة مقتل والدته، وقاده ذلك للقفز من المبنى المكون من عشرة طوابق في 23 مارس، ليقتل بطلقة نارية عبر نافذة الطابق التاسع. وعليه اعتبر الابن، «رونالد أوبوس»، قد قتل نفسه بالفعل. لذا، أغلق الطبيب الشرعي القضية على أنها انتحار».

ولكن هل كان ذلك المنعطف هو الغريب في القصة؟ كلا! بعد البحث للتأكد من القصة وجدت أن الدكتور «دون هاربر ميلز» اعترف فيما بعد بأنه اختلق القصة فقط لإظهار كيف يمكن للعواقب القانونية المختلفة أن تتبع كل منعطف في تحقيق جريمة قتل! المهم هنا أن الناس قد فتنوا بالقصة وتم تداولها حتى في بعض الصحف المعروفة!

الشاهد هنا أن الدكتور «ميلز» تقدم بقصة حتى يدعم أو يوضح وجهة نظر قانونية، وهذا أمر طبيعي لكن أن تقص من الإطار الذي قدمت فيه، ويتم تجاهل بقية الخطبة أو أهمية الانتباه والانتظار؛ فقد تظهر تقلبات للحالة الجنائية بسبب تواتر المعطيات والأدلة، هنا تكمن المشكلة! لقد تم استخدام القصة كأمر واقع وحقيقة من قبل بعض رجال الدين لديهم كمثال على تدخل قدرة الله في قلب الأحداث على من يمكر ويخطط في إيذاء الغير، واستخدمت أيضًا كطرفة من قبل غيرهم من العامة ممن تعجبهم هكذا منعطفات في قصص الواقع بعيدًا عن أي درس، فقط للترفيه والتندر.

نحن كمسلمين لا نأخذ، أو من المفروض ألا نأخذ، بالقصص الخيالية لنظهر قدرة وعظمة الخالق! ولكن للأسف ذلك يحدث! الأمثلة على ذلك كثيرة، فكم مرة مر علينا قصص أو ظواهر لا تصدق وعند البحث والتقصي يتضح لنا أنها غير حقيقية، لكن يتم تداولها للإرشاد والتوجيه الديني! ولن أستغرب أن يأخذ أحدهم هذه القصة أيضًا ويقتطع كل الباقي من المقالة ليستخدمها كحدث حقيقي ويطلب من القراء أن يقولوا «سبحان الله» على تدخله سبحانه في مكر الرجل، ولن استغرب أيضًا أن يضيف الآية 30 من سورة الأنفال كشاهد لإعطاء منشوره الجدية والمصداقية!

نعم في حالة الشخصية «رونالد أوبوس»، يمكن أن نأخذها على ما هي كقصة وهمية لما يمكن أن يحدث عندما تكون النوايا الشريرة مبيتة لإيذاء الآخرين، ونضيف من الأمثال الشعبية: «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها»، ويمكن أيضًا أن نأخذ القصة، وأشدد على أنها قصة وليست حقيقة، كمثال على عقوق الأبناء وإلى أي درجة يمكن أن يصل بهم هذا العقوق! تمامًا مثل قصة قلب الأم والشاب الذي طلبت منه عروسه قلب أمه كمهر لها، لكن أن نتلاعب بالحقائق ونشوش على الناس، هذا مرفوض تمامًا، خاصة أن شباب اليوم يتعرضون لحملات تشدهم إلى الإلحاد والكفر والعياذ بالله! ماذا لو بحث بعضهم عن الحقائق ووجد أنها مزيفة؟ سوف يهتز إيمانه خاصة إن كان ضعيفًا بالأصل!

ما المطلوب إذًا؟ المطلوب أن نكون على وعي تام؛ خاصة في عصر نهضة الذكاء الاصطناعي والتلاعب الذي يتم من خلاله بالحقائق، وألا نسمح لأي أحد أن يتلاعب بنا، حتى ولو ادعى أن نيته حسنة! إن الحق لا يحتاج للزيف كيف يظهر.