وفي الوقت الذي تتكشف فيه الأحداث سريعة الحركة في روسيا، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن موسكو تعاني «ضعفًا واسع النطاق» وإن كييف تحمي أوروبا من «انتشار الشر والفوضى الروسية».
ويأتي التمرد في وقت تخوض فيه روسيا «أصعب معركة من أجل مستقبلها»، كما قال بوتين، بينما تفرض الحكومات الغربية عقوبات على موسكو وتسلح أوكرانيا.
عمليات هجومية
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن الجيش الخاص بقيادة بريغوجين يبدو أنه يسيطر على المقر العسكري في روستوف أون دون، وهي مدينة تقع على بعد 660 ميلا (أكثر من ألف كيلومتر) جنوب موسكو وتدير عمليات هجومية روسية في أوكرانيا.
وقال بوتين: «كل الذين أعدوا التمرد سيعانون من عقاب لا مفر منه». «القوات المسلحة والجهات الحكومية الأخرى تلقت الأوامر اللازمة».
فيما رد بريغوزين قائلا: «إن مقاتليه لن يستسلموا، لأننا لا نريد أن تعيش البلاد في الفساد والخداع والبيروقراطية».
التصعيد الجديد
وكان المقاول العسكري الخاص لبريغوجين، المعروف باسم فاجنر، يقاتل إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا. لم تكن أهدافه واضحة على الفور، لكن التمرد يمثل تصعيدًا في صراعه مع القادة العسكريين الروس، الذين اتهمهم بإفساد الحرب في أوكرانيا وإعاقة قواته في الميدان.
وقال بريغوجين: «هذا ليس انقلابًا عسكريًا، بل مسيرة عدالة».
وأكد أنه وصل مع قواته إلى روستوف أون دون بعد عبور الحدود من أوكرانيا.
ونشر فيديو لنفسه في المقر العسكري في روستوف، وادعى أن قواته سيطرت على المطار ومنشآت عسكرية أخرى في المدينة. وأظهرت مقاطع فيديو أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي عربات عسكرية، بما في ذلك دبابات، في الشوارع.
دعوات الاعتقال
ودعت أجهزة الأمن الروسية، بما في ذلك جهاز الأمن الفيدرالي، أو FSB، إلى اعتقال بريغوجين بعد أن أعلن تمردًا مسلحًا في وقت متأخر من يوم الجمعة.
وفي إشارة إلى مدى جدية تعامل الكرملين مع التهديد، أعلنت السلطات «نظامًا لمكافحة الإرهاب» في موسكو ومحيطها، مما سمح بتقييد الحريات وتعزيز الأمن في العاصمة.
ولم يتضح على الفور كيف تمكن بريغوجين من دخول المدينة الواقعة جنوب روسيا أو عدد القوات التي كان معه.
وقال بريغوجين إنه يريد معاقبة وزير الدفاع سيرجي شويغو بعد أن اتهم القوات الحكومية الروسية بمهاجمة معسكرات فاجنر الميدانية في أوكرانيا بالصواريخ والمروحيات الحربية والمدفعية. وزعم أن «عددًا كبيرًا من رفاقنا قتلوا».
وقال بريغوجين إن لديه 25 ألف جندي تحت إمرته وحث الجيش على عدم المقاومة.
خطوات القمع
وبعد خطاب بوتين، الذي لم يذكر فيه خطوات ملموسة لقمع التمرد بل دعا إلى الوحدة، سعى المسؤولون والشخصيات الإعلامية الحكومية إلى إعادة تأكيد ولائهم للكرملين وحثوا بريغوجين على التراجع.
وقال فياتشيسلاف فولودين، رئيس مجلس النواب بالبرلمان، إن المشرعين «يؤيدون توحيد القوات» ويدعمون بوتين، مضيفًا أن «مقاتلي فاجنر يجب أن يتخذوا الخيار الصحيح الوحيد: أن يكونوا مع شعبهم، إلى جانب القانون، لحماية أمن ومستقبل الوطن الأم، لاتباع أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة».
ورددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا مشاعر فولودين قائلة في إحدى منشورات تلغرام «لدينا قائد أعلى واحد. لا اثنان ولا ثلاثة. واحد.» كما أعرب رمضان قديروف، الزعيم القوي لمنطقة الشيشان الذي كان يقف إلى جانب بريغوجين في انتقاده للجيش، عن دعمه الكامل لـ «كل كلمة» لبوتين.
وقال «لدينا القائد العام المنتخب من قبل الشعب الذي يعرف الوضع بأدق التفاصيل أفضل من أي خبير استراتيجي ورجل أعمال»، «يجب قمع التمرد».
مدينة باخموت
ولعبت قوات فاجنر دورًا حاسمًا في أوكرانيا، حيث استولت على مدينة باخموت الشرقية، وهي المنطقة التي دارت فيها أكثر المعارك دموية وأطولها. لكن بريغوجين انتقد بشكل متزايد الضباط العسكريين، متهمًا إياهم بعدم الكفاءة وتجويع قواته للذخيرة.
فيما علق زيلينسكي وقال: «لفترة طويلة، استخدمت روسيا الدعاية لإخفاء ضعفها وغباء حكومتها. والآن هناك الكثير من الفوضى لدرجة أنه لا يمكن لأي كذبة أن تخفيها». «ضعف روسيا واضح. ضعف شامل. وكلما احتفظت روسيا بقواتها ومرتزقتها على أرضنا لفترة أطول، زادت الفوضى والألم والمشاكل التي ستوجهها لنفسها لاحقًا».
ويمكن أن يكون لأفعال بريغوجين تداعيات كبيرة على الحرب.
وقالت أوريسيا لوتسفيتش، رئيسة منتدى أوكرانيا في مركز أبحاث تشاتام هاوس في لندن، إن الاقتتال الداخلي بين وزارة الدفاع وفاجنر سيخلق حالة من الارتباك والانقسام المحتمل بين القوات الروسية.
5 تداعيات محتملة لتمرد فاجنر:
الأول
تفتت التماسك العسكري الروسي، وخسارة أحد أهم الأذرع العسكرية (فاجنر) وأكثرها فاعلية على الجبهة في أوكرانيا، ما يعرض العملية العسكرية برمتها لخطر كبير.
الثاني
انتقال المعركة للداخل الروسي وإعلان ما يشبه حالة الطوارئ، ما يبرز بشكل واضح، تخبط التخطيط للدائرة القيادية في موسكو، ويعرضها لانتقادات شعبية كبيرة.
الثالث
زيادة الانقسام داخل روسيا وربما يمتد لمحيطها الاستراتيجي مثل روسيا البيضاء وغيرها.
الرابع
تراجع قبضة بوتين على السلطة وتسلل الانقسامات لدائرته الموثوقة، وانضمام البعض منها إلى بريغوجين الذي كان يوصف حتى وقت قريب بأنه مقرب من بوتين.
الخامس
نجاح فاجنر في نقل وجودها إلى قرب موسكو وقرب مناطق غنية بالنفط، قد يقلب موازين المعركة على الجبهة الأوكرانية، سياسيا وعسكريا لصالح أوكرانيا، خاصة مع تزايد الاستعدادات الأوكرانية لاستغلال الأزمة في الداخل الروسي.