«يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة» بهذه المادة يبدأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يؤكد ما أقرته القوانين والشرائع السماوية، والمذاهب الفلسفية من أن للبشر أصلاً واحداً وأن لهم الحقوق ذاتها والحاجات الإنسانية.

من هنا انبثق مفهوم المواطنة العالمية ليدفع باتجاه تعزيز ثقافة عالمية تشاركية بين البشر تقوم على أساس المساواة بين الجنسين، وإرساء دعائم السلام العالمي والعمل على نشر المعرفة، ومشاركة أساليب التنمية، ومكافحة الفقر والجهل والحروب وتغير المناخ.

المواطنة العالمية ليست خياراً يمكن التخلي عنه، بل هي حالة نضوج بشري جاءت كنتيجة طبيعية للعولمة واتساع مساحة الاتصال الثقافي بين المجتمعات الإنسانية، وذوبان الأجزاء المعزولة من الثقافات المحلية في مشهد ثقافي كبير فرضته الأسواق العالمية والمصير الإنساني الواحد والتأثيرات العابرة للحدود، التي تنعكس بدورها على حياة الشعوب ومصالح الدول بلا استثناء.

ويبقى السؤال المطروح هنا: كيف يمكن أن نستوعب مفهوم المواطنة العالمية دون المساس بخصوصيتنا الثقافية؟

أو بمعنى آخر كيف نكون مواطنين عالميين؟

أعتقد أنه من المهم تبني طرق التفكير النقدية وتدريسها بشكل واسع النطاق، فالتفكير في القضايا التي تمس الإنسانية بشكل عام يجب أن يركز على المشتركات، ويبني عليها الحلول والمشاريع ويتجاوز الخلافات، كما ينطلق من الحقوق الأساسية التي يكتسبها الفرد بالولادة والتي لا تقبل التجزئة أو المساس.

بوصفنا مواطنين عالميين يجب أن نحترم ثقافات الآخرين، ونحاول فهمها وقبولها واستخدامها، لإثراء ثقافتنا ما أمكننا ذلك، وبوصفنا مواطنين عالميين يجب أن ننشر قيم التسامح والمساواة والسلام وأن ننبذ العنف والإقصاء والتطرف الفكري.

وبوصفنا مواطنين عالميين يجب أن نعمل على رعاية مجتمعاتنا وحماية كوكبنا، وذلك بالانخراط في الأنشطة التطوعية والعمل قدر الإمكان على إعادة تدوير المنتجات وترشيد الاستهلاك للماء والطاقة، والحد من التلوث والنفايات.

بوصفنا مواطنين عالميين علينا أن نزرع الأشجار ونرعى الأجناس الأخرى من الحيوانات التي تشاركنا حياتنا الأرضية.

المواطنة العالمية باختصار أن نفكر بانعكاسات الأحداث العالمية باهتمام حقيقي ونعلم أنها تؤثر فينا وفي عائلاتنا ومجتمعاتنا إيجابياً أو سلبياً وأن نتبنى (الأرض الأم) بمياه نظيفة وموارد مستدامة وغطاء أخضر وانبعاثات أقل، ومجتمعات مدنية حية، وسلام عالمي، وأمن غذائي وصحي وارتفاع لمؤشرات التعليم والثقافة.

ومما يدعو إلى الطمأنينة ما نشهده اليوم من انتشار لتطبيقات معززة للمواطنة العالمية في كثير من مناحي الحياة في السعودية، ودخولها كمفهوم معرفي على التعليم والإعلام والعمل البيئي والثقافي، وهذا بلا شك دليل على وعي سياسي واجتماعي بمستهدفات المرحلة، ولعلنا نشهد مستقبلاً مزيداً من العمل، لترسيخ هذا المفهوم أكثر في البنية الفكرية للأجيال السعودية القادمة فيكونون فاعلين ومؤثرين في محبة الأرض والعناية بالإنسانية.