وزارة التجارة كعادتها السنوية، وقبل حلول شهر رمضان المبارك تتأكد دائما من وفرة السلع الغذائية، والمنتجات الرمضانية في الأسواق، خاصة المنتجات الأساسية التي يقبل عليها المستهلكون في هذه الفترة، بالإضافة إلى تنفيذ جولات استباقية للرقابة على المستودعات والأسواق بجميع مناطق المملكة، بهدف رصد أي مؤثرات في حركة العرض والطلب ومراقبتهم للأسعار بكل دقة. سؤالي هنا لوزارة التجارة: لماذا هذه التصريحات السنوية؟ هل هي مجرد تصريحات روتينية؟ أم أن هناك مشكلة تتفاقم بشكل دائما مع قرب الشهر الفضيل؟

في نظري هي أوركسترا متكررة تعزف على أوتارها فرقة التجار تقول كلماتها، السلع آخذة في التصاعد والارتفاع في كل الظروف والأحوال، يرتفع معدل التضخم أو ينخفض، ترتفع يعني ترتفع..!، رمضان وغير رمضان ترتفع كمان وكمان...!

أعلم جيدًا أن الفرق الرقابية في الوزارة تتجول ميدانيًا بشكل مستمر لضبط أسعار المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية، ودائما ما تحث المواطنين على الإبلاغ عن أي مخالفات تجارية، لكن في المقابل نجد أن المخالفات ما زالت مستمرة ويعاني منها المستهلكون، وهنا تأتي الأسئلة المهمة: لماذا يحصل الغش في الأسعار؟ ولماذا تتكرر المخالفات؟

هل توجد آلية واضحة ودقيقة في عملية التسعير ؟ بمعنى هل هناك نظام دقيق وواضح في تسعير المواد الغذائية والاستهلاكية من مرحلة التكوين والإنتاج ثم مرحلة التخزين وحتى التجهيز والتعبئة؟

الجواب: بالطبع لا، بدليل التفاوت الهائل في أسعار المنتج، فتجد صندوق الخيار الكبير «بحجم صندوق الموز» في السوق ب 20 ريالًا، وفي صندوق الفلين الصغير ب 10 ريالات، حيث يساوي الصندوق الكبير تقريبًا 30 صندوقًا صغيرًا ليكون المجموع 300 ريال؟!

تعالوا معي لمثال آخر فقبل أيام اشتريت منتجًا بقيمة 100 ريال وبعدها بأيام تحول السعر بقدرة قادر إلى الضعف، أي أصبح بــ200 ريال، وعندما سألتهم قالوا لي هناك تخفيض %50 ثم أرسلت أحد أقاربي ليتأكد من السعر من دون أن يخبرهم عني، أجابوه أن هذا السعر أي 200 ريال هو بعد التخفيض الخاص بشهر رمضان!!

ما هذه المفارقة والفجوة غير المنطقية في الأسعار؟!

هل هناك دراسة جدوى حول العرض والطلب وحاجة السوق؟ هل لدى وزارة التجارة تسعيرة دقيقة للمنتج من بداية مراحل الإنتاج وحتى التوزيع لنقاط البيع التجارية؟

في ظني أن مسألة تجارة الأغذية وبقية المولد الاستهلاكية متروكة عندنا لأصحاب الضمائر، في ظل وجود فراغ مؤسسي لشركة سعودية مسؤوليتها حوكمة القطاع التجاري والاستهلاكي بحيث ترتفع الأسعار أو تنخفض بشكل معقول وبنسب معينة، حسب حاجة السوق من مرحلة الإنتاج وحتى التوزيع للتجار وأصحاب المحلات.

أعتقد بهذه الطريقة تضبط الأسعار، أما ما هو موجود الآن، التاجر «يلعب بكيفه» فلو اجتمع أصحاب محلات واتفقوا على سعر معين فسيطبق بلا حسيب أو رقيب!

نعم، وزارة التجارة مسؤولة عن ضبط الأسعار وتقنينها وعدم تركها بشكل عشوائي لجشع التجار، ولكن المشكلة تتوقف علي وضع الحلول الصحيحة فهي ليست محصورة فقط بالرقابة بل هي مشكلة فراغ مؤسسي يتطلب علاجًا جذريًا طويل المدى، لقضية مازالت مؤرقة للجميع، تحتاج منا مواجهة حقيقية مع التجار وفهمًا عميقًا لآلية العمل والتي أوصلت بعضهم لهذه المنطقة، منطقة الكسب السريع على حساب الأخلاق والإنسانية.