هل تفكر باستمرار في القيود التي ترهق كاهلك من التزامات مالية أو روتين وظيفي أو علاقة زوجية فاترة؟
هذا المقال إذن لأجلك أنت.
سأحدثك عن قوة الامتنان التي يمكنها تغيير كل شيء، وإضاءة الطريق أمامك لأفضل الخيارات الممكنة في نموذجك.
في الحقيقة لا شيء أعظم من الامتنان، فهو واحد من أهم أسرار الرخاء والوفرة في الأرض. هو أشبه بكشاف لمنطقة وجودنا يساعدنا على رؤية الأمور على حقيقتها. ولا أقصد بالامتنان هنا تلك العبارات التلقائية التي نقولها بحكم التعود دون إدراك، بل أتحدث هنا عن ممارسة تأملية واعية نكررها حتى تكون جزءاً من طريقتنا في التعامل مع أنفسنا ومع الحياة.
القاعدة المهمة هي أن تستشعر الامتنان تجاه كل التفاصيل العادية الجيدة التي ربما لا تلاحظها في الغالب.
هل لاحظت يوماً- على سبيل المثال- كمية النعم التي تمتلكها عندما تقود سيارتك صباحاً متجهاً إلى عملك؟
لديك سيارة خاصة وطريق سالكة آمنة بلا حواجز، بانتظارك عمل يدر عليك دخلاً مالياً جيداً ويساعدك في بناء مجتمع وعلاقات ويصنع قيمة لوقتك، ثم تأمل رائحة القهوة التي تعبق بها أجواء السيارة في هذه اللحظة، وصوت الموسيقى التي تصاحبك، تأمل النعمة في أن جسدك مرتاح لا يتألم وأنك مطمئن في وطنك لست خائفاً. إن كنت نمت عميقاً في الليلة السابقة فكن ممتناً، وإن كنت حظيت بإفطار صباحي وأحاديث عائلية مبهجة قبل خروجك من منزلك فكن ممتناً.
كثيرة هي التفاصيل الصغيرة التي تستحق الامتنان، التي لوفرتها لم نتخيل يوماً كم سيكون غيابها مزعجاً وسيئاً لنا.
الامتنان حالة واعية من تأمل الأشياء الجميلة التي وهبت لنا، ربما تكتفي بتأملها واستشعارها أو ربما تكتب هذا على لوح أمامك أو في مفكرة خاصة. المهم أن تجعل الامتنان جزءاً من تفكيرك وسلوكك.
حسناً ماذا يمكن أن نستفيد من ممارسة كهذه؟
لن أتحدث هنا عما ورائيات، بل عن الانعكاسات الواقعية المنطقية التي تتحقق لك مباشرة.
وعلى سبيل المثال انظر لما يحدث لك حين تركز على موقف سلبي أو على شيء مفقود! ألا يعود هذا على مشاعرك حزناً أو غضباً أو إحباطاً؟
حسناً... سيحدث العكس تماماً حين تركز على شيء جميل ومفرح، وتذهب عميقاً في ملاحظة وجوده مهما كان بسيطاً، فإنك ستشعر بالراحة والسعادة. وسيدرك عقلك مع الوقت والتكرار أنك شخص سعيد منسجم، فيتصرف على هذا الأساس. ستكون أكثر امتناناً وأقل تذمراً وشكوى. وستجد أنك أصبحت تدرك الحجم الطبيعي للأشياء والمواقف.
هل تعرف شخصاً يبدو سعيداً شاكراً رغم أن حياته متواضعة، وآخر يبدو واجماً شاكياً رغم أن حياته مليئة بأشياء رائعة؟
القاعدة تقول: «إن كل شيء يأتيك يزيد ما لديك بالفعل»، فالمال والعمل والعلاقات كل هذه الأمور هي أسباب عابرة لا تصنع بذاتها مشاعرنا بل تعززها.
يعتقد علماء النفس أن نمط المشاعر مبني على نمط التفكير. والعكس يمكن أن يكون صحيحاً، بمعنى أن تراكم المشاعر الإيجابية مثلاً سيحول التفكير بمرور الوقت إلى تفكير إيجابي، يركز على الأمور الجيدة ويعزل تلقائياً الأمور السلبية.
ما تركز عليه يزداد. فلتكن لديك خطة للتركيز على كل شيء جميل مهما بدا لك صغيراً وعادياً. لا تنتظر تحقق أحلامك وأهدافك التي تسعى إليها لتشعر بالامتنان. هذه ليست خطة جيدة على الإطلاق، بل ابدأ الآن وفي هذه اللحظة ومارس فعل الامتنان.
حدث نفسك الآن كم أنت ممتن لأن لديك البصر، ولأنك تعلمت القراءة، ولأنك تمتلك هذا الجهاز الذي تتصفح من خلاله هذا المقال. كن ممتناً لأنك موجود في هذه اللحظة على قيد الحياة ولأنك ما زلت تمتلك الرغبة والقدرة على مواصلة رحلة الحياة، استشعر الامتنان على أدق التفاصيل العادية التي لم تختبرك الحياة بفقدها.
ختاماً... إن قوة الامتنان تتجلى حينما نترجمها لسلوك وتلميحات واعية تترسخ في إدراكنا ومشاعرنا فتجعلنا نتبين اليسر في كل عسر ونكتشف الحكمة في الخيبات والنعمة في التجارب.