كثير من المهن صدرت لها قوانين تُنظّمها، وأُنشئت هيئات معنية بها، وهذه الهيئات وضعت معايير لتأهيل وتدريب وتطوير المنتسبين لها، ولهذا أسست الأكاديميات التعليمية التابعة لها، تحقيقًا لهذه المعايير.

ومن هذا المنطلق، اُنشئت أكاديمية الهيئة السعودية للمحامين بتاريخ 27/08/1439، كذراع تعليمي لها، بموجب تنظيمها الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (317) وتاريخ 06/07/1436 والذي منحها صلاحيات وضع البرامج التأهيلية والتدريبية في مجال مهنة المحاماة وتقويمها وتنظيم الدورات التدريبية وتنظيم الندوات والمؤتمرات والملتقيات والمعارض ذات العلاقة.

هذه الأكاديمية أطلقت برامجها بمشاركة جهات مختصة بالتأهيل والتدريب محليًا ودوليًا، وقدمت أفضل الممارسات والخبرات بمستوى احترافي يليق بمهنة المحاماة وتطوير الكوادر المنتسبة، ليس للمهنة فقط، بل للقطاع القانوني كافة. وقدمت وجهًا مُشرقًا لكيان الهيئة، وأكّدت ثراء مواردها، ولامست طموح كل ممارس قانوني ببرامجها النوعية، ووظّفت التقنية في تقديم تلك البرامج عبر منصة «شارك» مما سهّل على المستفيدين الانضمام لها والحصول على فرص التأهيل والتدريب والتطوير فيها، أبرزها «برنامج الاعتماد المهني السعودي للقانونيين».

وفجأةً، وبدون سابق توضيح، تلاشى كل ذلك، تاركًا حوله الكثير من علامات التعجب والاستفهام، فلم نعد نرى أو نسمع عن تلك البرامج، بل إن حسابات الأكاديمية على منصات التواصل الاجتماعي، والتي أعلنت عنها الهيئة، قد أخفيت. وليس هذا فحسب، بل إن صفحة الأكاديمية على موقع الهيئة الإلكتروني أُخفيت هي كذلك!. وفي المقابل نرى مركز التدريب العدلي يُقدم برامج ودورات تدريبية وتأهيلية تستهدف المحامين الممارسين وكذلك المتدربين.

وبنظرة فاحصة للتسلسل التاريخي في القرارات، نجد أن قرار إنشاء مركز التدريب العدلي صدر في 24/04/1435 واستهدف فقط تأهيل الملازمين المُرشحين للقضاء وتطوير القُضاة وهم على رأس العمل ورفع كفاءة وتأهيل كتاب العدل وكتاب الضبط وجميع أعوان القضاة، قبل ضم فئة المحامين لهم، ولم يكن هناك أي وجود لتنظيم الهيئة السعودية للمحامين، ثم تمت إضافة المحامين للفئات المذكورة في 06/01/1437 وبين هذين التاريخين صدر قرار تنظيم الهيئة السعودية للمحامين بتاريخ 06/07/1436 ثم أنشأت الهيئة أكاديميتها في 27/08/1439.

نستنتج من ذلك أن مركز التدريب العدلي أصبح معني بشؤون مهنة المحاماة والمحامين في حين أن المادة الثانية من تنظيم الهيئة السعودية للمحامين قد منحت الصلاحيات للهيئة في ما يتعلق بتأهيل المحامين بوضع البرامج التأهيلية والتدريبية في مجال المهنة وتقويمها ما يعني أن المنظم أفرد للهيئة قانونًا خاصًا بها بهدف تنظيم مهنة المحاماة وقطاع الاستشارات القانونية وجعل الهيئة هي الجهة الرقابية والمرجعية لكل ما يتعلق بالمهنة وشؤون المحامين وما يؤكد ذلك أيضًا رؤيتها التي تعتمد على «مهنة ممكنة، ممارس موثوق، هيئة مرجعية وداعمة».

ومن هنا نتساءل: هل كان إبقاء ضم فئة المحامين إلى الفئات المستهدفة في مركز التدريب العدلي بعد صدور تنظيم الهيئة السعودية للمحامين وإطلاق أكاديميتها سببًا لازدواجية المعايير والأهداف والرؤى؟، وهل أدت تلك الازدواجية لجعل مخرجات برامج مركز التدريب العدلي المتعلقة بمهنة المحاماة والاستشارات القانونية ليست بالصورة التي يطمح لها القطاع القانوني؟ وهل أعاق ذلك الهيئة السعودية للمحامين من ممارسة دورها الحقيقي بأن تكون هيئة مستقلة مرجعية وداعمة لمنتسبي القطاع القانوني سواء محامين ممارسين أو متدربين ومستشارين قانونيين في القطاعين العام والخاص وكذلك طلاب القانون؟ أم أن جهود الهيئة في تحقيق مساعيها ورسالتها ورؤيتها أُجهضت؟

على الهيئة السعودية للمحامين، بالتعاون مع وزارة العدل، تصحيح هذا المسار بشكل جدي لكي يجني ثمار ذلك قطاع المحاماة والاستشارات القانونية وذلك بإلغاء قرار ضم المحامين للفئات المستهدفة في المركز العدلي، وبتمكين الأكاديمية بأن تكون المرجعية المستقلة لتدريب وتأهيل الراغبين بمزاولة مهنة المحاماة وتطوير المحامين الممارسين وجميع المنتسبين لعضوية الهيئة، وتمكينها من استعادة كل برامجها للوفاء برسالتها ورؤيتها وأهدافها.