في الشرق حدث جدل مشابه حول النظرية، على الرغم من وجود نصوص قرآنية فسرت بما يتماشى مع فكرة التطور مثل قول الله -عز و جل: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ...) الآية.
وذهب بعض المفسرين إلى أنه كان لدى الملائكة خبرة سابقة مع مخلوق بشري قبل آدم -عليه السلام- ويبنى على هذا التفسير أن خلق آدم بمعجزة استثنائية لا يعني عدم وجود النوع البشري في سلسلة تطورية حسب المبدأ العلمي.
وأيًا كانت الأفكار المطروحة للتوفيق بين نظرية التطور وبين الأديان، فإنه ليس بوسع أي عقل علمي أن يفهم علوم الأحياء بمعزل عن التطور، حتى إن الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم (AAAS)، التي تعد أقدم وأكبر منظمة بحث علمي في العالم، كانت قد أصدرت بيانا جاء فيه (إن نظرية التطور هي أقوى مبدأ بيولوجي تم تأكيده، وأن أي رأي يتعارض مع النظرية لا ينظر إليه)، وتراكمت الأبحاث والدراسات التي أكدت صلاحية فكرة داروين، بل إن التطبيقات تجاوزت النظرية فعليًا، وكشفت عن معلومات جديدة تؤكدها وتدعمها، وما نراه اليوم من صناعة المبيدات أو اللقاحات وغيرها من تجارب علمية وراثية تعد كلها تطبيقات مباشرة لنظرية التطور.
التطور يحدث على مستويين هما التطور الدقيق (Microevolution) والتطور الكبروي (Macroevolution)، ولا توجد خلافات علمية ولا فكرية تذكر على النوع الأول، وهوالذي يحدث في «النوع» نفسه، ويمكن ملاحظته من خلال انتقال الصفات الوراثية أوالطفرات أو الانتخاب الطبيعي، لكن الخلاف هو حول التطور الكبير، ويقصد به التطور الذي يؤدي لتغيير عدد كبير من الصفات، تغييرًا يفضي في النهاية لتغيير النوع بالكامل، وهذا التطور لا يمكن ملاحظته أو دراسته في المختبر؛ لأنه يحتاج لفترة زمنية طويلة قد تصل لملايين السنوات، لكنه ثابت من خلال كشوفات الاستحاثة التي أظهرت وجود أنواع وسيطة متكيفة في أزمنة أرضية مختلفة، كما يعتقد أنه بالإمكان ملاحظته من خلال وجود بقايا تطورية في عدد من المخلوقات.
نظرية التطور دخلت مقررات التعليم في معظم دول العالم كجزء من المبادئ البيولوجية المهمة التي يبني عليها المتعلم فهمه وإدراكه العلمي، لكن النظرية ما تزال للأسف محظورة في غالبية الدول العربية والإسلامية.
ما يقتضي ضرورة إعادة النظر لإقرار تدريس النظرية في كتب العلوم ومادة الأحياء، حيث إن حجبها في العالم المفتوح اليوم لم يعد مجديًا، والأفضل لمنع البلبلة وتشوش ذهن الطالب الذي يطلع على المعرفة عبر الفضاء المفتوح، تدريس النظرية وتشريحها لأبنائنا على النحو العلمي الصحيح.
تاريخ العلوم امتلأ باعتراضات المشككين على كل شيء، ونذكر على سبيل المثال دورة الماء والعناصر في الطبيعة وكروية الأرض ومركزية الأرض في الكون، وغيرها كثير من النظريات التي تمت معارضتها أول الأمر تحت ذرائع مختلفة ثم أثبتها العلم لاحقًا واعتمدت كحقائق، ولو توقف البشر أمام مخاوف المتشككين لما تقدمت العلوم على الإطلاق، أعتقد أنه من المناسب اليوم اعتماد تدريس نظرية التطور كما هي في موضعها الطبيعي من سلسلة العلوم البيولوجية، فهي بلا شك ركيزة مهمة في فهم رحلة الاستنواع الحي على كوكب الأرض.
نحن كمسلمين نعد الأقل اختلافًا مع النظرية، فالقرآن الكريم لم يذكر لنا تفاصيل الخلق كما في الأديان الأخرى، بل طرحه ضمن سياق عام لترسيخ مفاهيم إيمانية وتعبدية لا تتشابك بأي حال مع حرية البحث العلمي والتفكير المنطقي والتأمل لاكتشاف الكون، الأمر الذي يجعل معارضتنا لنظرية التطور أمرًا زائدًا عن لوازم ديننا، والأفضل أن نواكب العالم الذي تجاوز أبحاث داروين بمراحل، واستفاد من تطبيقات هذا العلم في اكتشافات بيولوجية مذهلة.