علينا أن نعي أن الشعوب التي تمر بتغييرات ثقافية حادة، سواء كانت ذات طابع سلمي أو ناتجة عن حروب وثورات، جميع هذه الشعوب بلا استثناء تمر بمرحلة (وعي) انتقالية، ويظهر تأثير هذه المرحلة جليًا في اقتصادها وقوانينها وأنماطها الاجتماعية وحراكها الثقافي ومسارات حياتها كافة، ذلك أن تشكيل وعي مجتمعي جديد، هو أصعب مراحل التحول وأطولها مخاضًا، وقد يستغرق ذلك جيلا أو أكثر حتى يكتمل.
لو تأملنا مثلا المشهد الثقافي في فرنسا ما بعد الثورة الفرنسية، أو في ألمانيا بعد الحروب العالمية، أو في أمريكا بعد الاستقلال عن التاج البريطاني، أو كوبا بعد الاستقلال عن إسبانيا، أو في روسيا بعد الثورة البلشفية، أو اليابان بعد القنبلة النووية، سوف نرى أن التغيير -في كل تلك المجتمعات- لم يكن صفحة تطوى أو شمسًا تشرق ذات يوم، سوف نلمس تغيرًا في نتاج الأدباء والفلاسفة، ونرى انعكاس المرحلة على المسرح والموسيقى والصحافة. باختصار سنشعر أن هذه المجتمعات تحدثت طويلا مع نفسها حتى استوعبت واقعها الجديد.. إنها سيرورة التاريخ الخالدة، فالتحولات الكبرى يتباطأ عندها الزمن بشكل غريب، وتترك بصمتها على عقل المجتمع ونتاجه الثقافي واقتصاده.
من جهة أخرى فإنه ما زال مبكرًا الجزم بأن الصحوة في المجتمع السعودي قد انتهت، وإن كنا بالفعل قطعنا مراحل عظيمة من التغيير، لكن من الطبيعي أن الإدراك الجمعي للتغيير يستغرق وقتًا حتى يستوعب الواقع على حقيقته بعناصره ومكوناته وتأثيره وتفاعلاته ونتائجه، وما يجب فعله في هذه اللحظة التاريخية، هذا الإدراك بعد اكتماله يتشكل في نسيج البنية المعرفية اليقظة للمجتمع، ويؤدي إلى وحدة مجتمعية متطورة تجاه القضايا والأهداف.
ختامًا اقول إن ما حدث في السعودية كان ثورة إنقاذ عبقرية، حافظت على وجودنا من الذوبان في واحد من أخطر مشاريع الاستنزاف الأيديولوجية، والتي كان يمكنها أن تعيدنا مئات السنين للوراء، هذه حقيقة كبرى لم يستوعبها بعد العقل الجمعي الذي نراه اليوم يحدثنا عن أحكام الحفلات الموسيقية أو كشف وجه المرأة.
لا شك إذن بأن استمرار التعبير عن التفاصيل التي مررنا بها هو طريقتنا الوحيدة للاستفاقة التدريجية حتى استحضار الوعي الكامل، وحتى ذلك الحين فالصحوة باقية على قيد التحقيق.