(الدوغمائية / الجزمية) من أخطر المشاكل الفكرية، يقول غاندي «الإعاقة الحقيقة في العقول المغلقة» والدوغمائي: هو الفرد المتعصب لفكر معين، وليس لديه أي نية لمراجعة تعصبه ولا استعداد للاطلاع على أي فكر آخر. لدى الدوغمائي إعاقة فكرية تجعله يؤمن أنه يمتلك الحق المطلق، وأن ليس في العالم غيره هو وجماعته من يمتلكون الحقيقة المطلقة.

والدوغمائية هي طريقة تفكير، فقد تجد دوغمائيًا ينتمي لجماعة معينة فإذا تركها أصبح دوغمائيًا مع جماعة أخرى لأنه لم يغير طريقة تفكيره، بل غير مصدر المعرفة الذي يثق بكل ما يمليه عليه.

واتساع شريحه الدوغمائيين تهديد وعائق أمام الحضارة حتى أن أي حضارة بُنيت في بيئة دوغمائية انهارت بسرعة، وشكلت خطرًا على غيرها من المجتمعات، مثلما حصل مع نازية ألمانيا واشتراكية السوفيت.


البيئة الدوغمائية بيئة حروب و صراعات ولا يخفى على أحد أن الشباب الدوغمائي اليوم هم وقود وذخيرة الحروب الأهلية الجارية في الوطن العربي اليوم.

الدوغمائية موجودة في جميع الأمم ومنذ القدم، ولكن لا يوجد إنسان يقول عن نفسه إنه دوغمائي لأن الفرد لا يشعر بذلك شعورًا داخليًا، بل على العكس من ذلك فهو يشعر أنه على درجة عالية من اليقين ولكنه سيعرف إذا حاكم أفكاره ومصادر معرفته وحكم عقله وانفتح على الآخرين من خارج جماعته.

حتى إيمانويل كانط -وهو من أكبر وأبرز الفلاسفة عبر التاريخ- يقول عن نفسه «كنتُ غارقا في النوم حتى أيقظني هيوم من سباتي الدوغمائي العميق» إذًا لن يعرف الفرد أنه غارق في الدوغمائية مهما كان مستوى ذكائه إلا إذا انفتح على أفكار خارج جماعته.

أحيانًا قد يخرج الفرد من الدوغمائية، ولكن بطريقة لا تقل ضررًا فقد يخرج من الدوغمائية إلى الشك المذهبي والسفسطة و(الشك المذهبي) هو طريقة تفكير تبدأ بالشك لتنتهي بالشك نفسه.

ومن أنجع الطرق لمعالجة الدوغمائية، هو التبين «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».

ومن طرق معالجتها أيضًا: طلب الدليل على أي فكرة فالقرآن يعلمنا في مئات المواضع طلب البرهان والدليل، حتى على أكبر وأخطر القضايا مثل «وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرْهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلْكَٰفِرُونَ».

إذًا الشخص المعافى من الدوغمائية هو شخص يستطيع أن يطلع على الآراء الأخرى دون تعصب ضدها أو معها.

وللدوغمائي صفات كثيرة من أهمها أنه متكبر وأنه غير متسامح مع من هم خارج جماعته حتى لو كانوا من أقرب أقاربه، مع أن الله لا يمنع التسامح أو البر حتى مع غير المسلمين.

التفكير علاج الدوغمائية والعقاد رحمه الله يثبت أن التفكير «فريضة» إسلامية في كتابه الذي كتبه في خمسينيات القرن الماضي «التفكير فريضه إسلامية» يقول:

«حين يكون العمل بالعقل أمرًا من أوامر الخالق يمتنع على المخلوق أن يعطل عقله مرضاة لمخلوق مثله».

«والإسلام لا يقبل من المسلم أن يلغي عقله ليجري على سنة آبائه وأجداده، ولا يقبل منه أن يلغي عقله خنوعًا لمن يسخره باسم الدين في غير ما يرضي العقل والدين».