إننا نعرف تاريخنا العربي على قصر مدة تدوينه، من الجاهلية نعرف كليب ابن ربيعة، ومهلاهلا، كما نعرف حاتمًا الطائي، وحاجب بن زرارة، وقس بن ساعدة وأكثم بن صيفي وغيرهم. ولولا خصال تميزوا بها في أجيالهم، ومكارم تفردوا بها في عصرهم من الشجاعة والبطولة والكرم والوفاء، والفصاحة، وزهوا بها في عصرهم، وتألقوا بها في، لما حفظ التاريخ أسماءهم. وعدي بن زيد، كما نعرف في التاريخ العالمي من ملوك الفراعنة والأشوريين والفينيقيين، والبابليين، والإسرائيليين ، والقرطاجنيين، وكذا من ملوك ورؤساء اليونان وأباطرة الرومان من أبقوا أثارهم الخالدة وبصماتهم على التاريخ.

كما نعرف من خطبائهم وأدبائهم وشعرائهم وبالأخص خطباء وشعراء وأدباء اليونان والرومـان بل مايحفظ من أشعارهـم وأقوالهم الشيء الكثير الكثير.

وفي الإسلام نعيش على هدى وذكرى هادي الإنسانية، ومنقذ البشرية محمد صلى الله عليه وسلم ومع خلفائه الراشدين وأصحابه المهتدين، وقادة الإسلام الفاتحين، وشعرائه المخضرمين مثل حسان بن ثابت، وعبدالله بن رواحة، وكعبابن زهير وغيره.


إن لكل أمة من الأمم تاريخها الحافل وآدابهـا المشعة وثقافتها وفنونهـا الجميلة، وحضاراتها الساطعة، وإنما كانت الحضارات القديمة تتمثل وتتركز في مجتمعاتها، لشبه انقطاع المواصلات، إلا النزر اليسير مع الاتصالات التجارية التي كانت شبه رائجة وشبه متواجدة بين الشرق والغرب برًا على القوافل وبحرًا على السفن الشراعية التي كانت كثيرًا ما تتعثر وتطول مدتها، فمثلا: المواصلات بين اليونان والرومان والصين لتجارة الحرير وغيره من منسوجات الصين، كانت تستغرق العامين والثلاثة حتى اكتشف أحد البحارة الأذكياء موسم هبوب الرياح الموسمية الغربية والشرقية، بحيث كانت تبحر السفن عند هبوب الرياح الشرقية فتبحر فلا تعدو مدة غدوها ورواحها أشهرا معدودة وإنما تلك المعلومات الملاحية اختفت بعد أن طغت البربرية على الحضارتين اليونانية والرومانية، ولم تستعدها أوروبا إلا من المعارف العربية الإسلامية بعد أن ترجمت كتب تلك الأمتين إلى العربية، ثم ترجمت ثانيًا من العربية إلى اللغات الأوربية.

إن المرء لايجد في التاريخ أمة من الأمم الفاتحة مثل: البابليين والفينيقيين والفراعنة والأشوريين والفرس واليونان والرومان والقرطاجنيين الذين سادوا الأمم وفتحوا البلدان، استطاعوا أن يغيروا الجغرافيا الأرضية والسكانية إلى الأفضل والأحسن، كما صنع العرب في فتوحاتهم الإسلامية، الذين أبقوا طابعهم على الدنيا وبصماتهم على الوجود، ولغتهم على الألسن، ودينهم على الأديان، وأصبحت الأقطار التي فتحوها في آسيا وأفريقيا إسلامية دينا، وعربية لغة، مثل: مصر والمغرب بأسره، وشرق أفريقيا، وإسلامية دينا مثل: إيران وأفغانستان وتركيا والمغول وفي الصين والهند.

لقد أصبحت آنذاك الدولة الإسلامية محط الرجال ومعقد الآمال ولغتها اللغة العالمية، حتى إن الإسبان في الأندلس من أبناء من أسلموا ومن لم يسلموا نسوا لغة الأجداد في الأندلس، وأصبحوا يتكلمون ويتعلمون العربية بل ويكتبون الآداب بها ويقرضون الشعر.

إن لغة أي أمة هي بعد الله سبحانه وتعالى مادة حياتهم الأدبية والمعنوية وعصمة جامعتهم القومية، والعربية لغة القرآن الكريم الخالد، وإذا كانت اللغة العربية من الأهمية بهذه المكانة فإن آدابها من نثر وشعر هي خلاصتها المصفاة، وزيدتها المستخلصة، وبقوة الإسلام تكون اللغة العربية، فإذا كان قد انتابها شيء من الضعف في عهود الانحطاط وبالأخص في عهد الأتراك، ومن بعده الاستعمار فإن البلاد العربية - بفضل الله وحـوله - قد استقلت وجعلت العربية لغتها الرسمية، فتدفقت إلى اللغة دماء الحياة وعناصر القوة، وبالأخص في جزيرتنا العربية التي تشمل الدولة السعودية أكبر رقعتها، فقد عاد للغة العربية عنفوانها وزخمها، وقوة طاقتها.

فإن المملكة هي مهبط الوحي وموطن الرسالة، وفي نهضتها السعودية نريد أن نستفيد من تلك النهضة، كما حدث في أوروبا من قبل في عصر النهضة الصناعية فما إن أصبحت مشغولية الإنسان الأوربي في ذلك العهد هي العلم والاختراع والبحث عن الحديث من مصادر الطاقة في الطبيعة: الرياح، والشمس، والماء البخار والفحم، والبترول. فعند ذلك لم يتوقف الاهتمام على العلم والبحث فقط بل يمكن للمرء أن يلاحظ أن هناك اهتمامًا في الفنون والآداب والشعر تحيث يجري في ساحة الأدب انطلاقًا هائلا للشعر الرومانسي في نحو عام 1315هـ – 1800م ليساوق النهضة الصناعية الجديدة.

لقد أدهشتهـم الفـكـرة الجـديدة القائلة باستغلال قوة الطبيعة الحاملة للطـاقة فقد ترددت كلمة العاصفة كمرادف لكلمة الطاقة مثل (العاصفة، الاقتحام) عنوان قصيـدة كانت لـ «صمويل نايلور كولريدج» فقال: هي العاصفة تكسر السكون الرهيب وتحرر الحياة ثانية تفجر الحياة في الفضاء الأعلى.

1993*

* شاعر ومؤرخ سعودي «1916-2003».