وهذا الأمر يدعونا إلى التأمل والوقوف قليل لماذا يجب علينا فهم ثقافة الغرب وتطوراتها والانبهار بها على الوجه المطلق دون تحريك ساكن لما يفترض القيام به في نقل أفكارنا وثقافتنا ومعرفتنا وتطورنا وقدرتنا على تحريك الأمم نحو المستقبل المشرق. لماذا لا يفهم الغرب أفكارنا وثقافتنا وقيمنا؟ لماذا لا نصدر سلعا قيمية وأفكارا ابتكارية ومعرفية؟ فهل ينطبق علينا ما تحدث فيه المفكر العربي ابن خلدون، عندما ذكر أن «المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده»؟ وهل نحن فعلاً أصبحنا في نظر أنفسنا مغلوبين وأصبح الديدن الذي نمشي عليه هو الانهزام الداخلي، والذي جعل من طموحاتنا ومستوى فهمنا ومعرفتنا محصورا في أن نفهم الآخر فقط، وتكون وظيفة المفكرين والمثقفين هي كيف يفهم مجتمعاتنا الغرب ومحاولة إقناع محيطنا بما يفكر به الغرب وتبرير بعض تصرفاته وأنها مستندة إلى ثقافته وفكره، تحت الشعارات التي يترنم بها. هذه المعادلة لا بد أن تتغير ولا بد أن نعيد لأنفسنا ثقتنا بأنا لدينا الكثير، وأن الغرب لا بد أن يفهمنا ويفهم أفكارنا وأعمالنا وتطورنا، وأن الحضارة ليس لها جنس أو نوع أو جغرافيا معينة.
فالغرب بنى جزءا من حضارته الغربية على أفكار ابن رشد وشروحه لفلسفة وكتابات أرسطو، والتي لم تكن متاحة لفلاسفة الغرب باللغة اللاتينية السائدة في بلدانهم في العصور الوسطى.
وقد أسهمت هذه الشروحات في ازدياد تأثير أرسطو في بلدانهم. وكان واضحاً على الفلاسفة المسيحيين من أمثال توما الأكويني الذي كان راهباً دومينيكانياً، وفيلسوفاً، وكاهناً كاثوليكياً، ويُعرف أيضاً بلقب العالِم الملائكي والفلاسفة اليهود من أمثال موسى بن ميمون وجرسونيدوس، وبالتالي نجد أن الغرب مدين في نهضته للعرب وتراثهم العلمي والفلسفي. فالغرب لا بد من أن يفهمنا من خلال مبادرتنا وأطروحاتنا وأفكارنا وقيمنا وعقيدتنا واعتزازنا بمورثنا وليس من خلال تفسيراتهم وتصورهم عنا ونفاقهم وازدواجية المعايير لديهم بل من خلال ما نعتقده عن أنفسنا من مصداقية عالية وما نشعر بها عن أنفسنا بأنا رسل سلام وإيمان ودعاة تعليم وتطوير وصناع معرفة وقادة تغيير. لا بد لدوائر المنظمات والمؤسسات الدولية ومراكز التفكير والدراسات أن تهرول لفهم أفكارنا ومعتقداتنا من خلال قصص النجاح التي لدينا في كثير من المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والشبابية.