وأخرها ما حدث بالأمس القریب في الاعتداء علی جنود الحراسة لمحطة المیاه بسیناء، وغیر ذلك من سیاسة الاقتلاع في فلسطین المحتلة، وحروب إبادة دینیة وصراعات دامیة لا تهدأ ولا ترید أن تهدأ، کما نری نیرانها المشتعلة بین الأخوة الأعداء منذ سنوات في الیمن بإیعاذ من تجار الشر والدم والتعصب ممن لا دین لهم ولا خلق. ظاهرة تجتاح العالم ولم ننج من شرورها کما أسلفت، ظاهرة تعبر عن همجیة فکر لوثته الخرافات والأباطیل، یسعدها أن تری الآخر مقتولًا أو مسحوقًا أو مبددًا.
فحد التعصب کما نعلم عند أهل الحكمة غلو المرء في اعتقاد صحة بما یراه وإغراقه في استنکار ما یکون علی ضد ذلك الرأي حتی یحمله الإغراق والغلو علی اقتیاد الناس لرأیه بالقوة، ومنعهم من إظهار ما یعتقدون ذهابًا في ادعاء الکمال لنفسه وإثبات النقص لمخالفیه من سائر الخلق.
إنه إذن عدم قبول الرأي الآخر کما نفهمه الیوم، إن التشبث بالرأي الواحد وتأکید صحته المطلقة هو خطأ کبیر؛ لأن الإنسان ولكونه إنسانًا یعجز فهمه عن إدراك الکثیر من أسرار هذا الوجود، وأنه ککائن بشري ممتنع عن الكمال، ودائمًا کما رأینا فیما مر من أحداث کان تاریخ التعصب هو تاریخ من کان یصر دائمًا علی احتکار الحقیقة واحتکار الحق الأوحد في الحیاة والبقاء.
وربما کان ما مر في التاریخ البشري هو بمثابة الإرهاصات الأولیة للمجازر التی یشهدها عالمنا المعاصر. وها هي الحرب الروسیة أکبر دلیل علی تلك المجازر التی یشهدها عالمنا المعاصر الیوم ضد الإنسانیة، والإنسان وأخیه الإنسان، فكما نری ونشاهد أن تاریخ التعصب هو تاریخ من یصر دائمًا علی احتکار الحقیقة، واحتکار الحق الأوحد في الحیاة والبقاء.
لذا.. ومن کل ما تقدم یجب علینا جمیعًا في البیت والمدرسة.. آباء ومعلمین أن نوجه أنفسنا أولا وأبناءنا إلی فضیلة التسامح، فدیننا الإسلامي من أکثر الأدیان حضا علی التسامح، وهو الدین الوحید الذي یعترف بالأدیان التي تخالفه، ویطلق علی أهلها أهل الکتاب، لابد أن یتعلم أولادنا أن الشجاعة في استخدام العقل هي تحکیم بین الإفراط والتفریط، وأن دعوة التسامح هي الأکثر قدرة والأقوی منطقًا لسبب بسیط وواضح هو أن التعصب یولد التعصب.. والتسامح یولد الألفة والمحبة والسعادة والتعایش!.