في غایة من الوضوح أخاطب العقل والفکر العربي حتی یصبح لنا تصور عربي تفصیلي وشامل عن الأساس النظري والتطبیقي أو المعرفي والتكنولوجي، ونتائجه الاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة التي تحقق وتجدد له في الظروف الراهنة والمقبلة، الوضع الحقیقي لكل مجتمع أو لكل أمة في سباق البقاء! ولیس مجرد سباق الاستقلال أو التبعیة في هذا العصر؛ وأعني بذلك الأساس علم وتكنولوجیا المعلومات أو بتعبیر أدق المعلوماتیات التي تنفذ الآن إلی کل مجالات النشاط الإنساني؛ أي المنتج الذهني والعملي المدني والعسکري، وتتحکم في القدرات والإمکانات المتوافرة لذلك النشاط، کما وکیفا.

وفي البدایة یجب أن نلقي نظرة خاصة علی کل من العلم والتطبیق، وبین المعرفة والتكنولوجیا وبینهما معًا، وبین قدرة المجتمعات الصناعیة علی الخروج من مجرد توفیر الاحتیاجات الضروریة ثم الكمالیة والرفاهیة لمواطنیها. مرحلة المشارکة ‌والمنافسة المحکومة بین تلك المجتمعات في عملیة تقریر مصیر البشریة المادي والثقافي في مجالات وجودها وفعالیاتها، ألم تزهو العسکریة بکل تجلیات ذلك الوجود، واستنادًا إلی معرفة علمیة وفلسفیة وتاریخیة غزیرة ومتعمقة، وإلی خبرة عرفها المجتمع العلمی /العملی.

هناك حقیقتان، ‌الأولی هي أن مرحلة المعلومات وقوامها الآلي هو جهاز الكمبیوتر الطالع کثمرة تشهد من زمن ولادة الإنسان، وباعتبار أن السیطرة علی المعرفة وعلی معرفة تطبیقها وتوظیفها تكنولوجیًا، هي السبیل المختصر المکثف والاقتصادي المؤكد للسیطرة علی الطبیعة والإنسان ومنتجات الإنسان، کل منتجاته دون استثناء، أما الحقیقة الأخرى فهي الوحدة العضویة المتعینة التي تجمع ما کان یسمی في التحلیل الفلسفي التقلیدي للبناء الاجتماعي بالبنیة التحتیة والبنیة الفوقیة.


لنصل معا إلی المطلوب، وهو وجود منهج یتبصر بالترابط العضوی بین کل عناصر البنیة الاجتماعیة الكلیة، من التعلیم والتثقیف والإعلام، إلی التطویر اللغوي فیما یتعلق بمناهج تعلیم اللغة، ومناهج توظیفها في التفكیر والإبداع الذهني، إلی الممارسة السیاسیة بكل مستویاتها الفئویة والمهنیة والسكانیة والوطنیة، إلی التدریب المهني والمهارات، إلی البحث العلمي النظري والتطویري، إلی التشریع والهیكل القانوني المدني والإداري والاقتصادي بوجه خاص، إلی العمل الإداري والسیاسي، إلی التوسع الحضري الإسکاني الزراعي الصناعي، إلی الإدارة المنزلیة والعلاقات الأسریة، والمفاهیم والقیم التربویة.

هذا وإذا کنا کما نعتقد من قدیم، أننا أمة کان الإبداع اللغوي والثقافي بشکل عام هو المجال الرئیس لتجلي عبقریتها من ناحیة، ولإرساء وحدتها حتی الآن‌.

إذن من الطبیعي أن یكون شغلنا الشاغل أفرادًا وجماعات ومجتمعات، الثقافة بمدلولها الشامل والمستقبلي، هی مجال وجهتنا الحقیقي، ونکون قد بدأنا خطواتنا علی الطریق الصحیح لتحقیق الوحدة العضویة بین ماضینا ومستقبلنا، وبین بنانا التحتیة وبنانا الفوقیة، وبین الواقع والأمنیات، وبین ما هو متاح سهل ولکنه لا یکفي، وما قد یبدو مستحیلا ولکنه ضروری، ولا مناص منه إذا کنا حقًا نرید أن نبقی فی سباق البقاء!