يقال بأن أرسطو كان كثير المشي، حتى أنه كان يعلم تلاميذه الفلسفة وهو ماشياً، ولذا سميت المدرسة التي ترمز إلى أفكاره وفلسفاته «المدرسة المشائية». لا أقرأ في الفلسفة كثيراً، ولن أتحدث لا عن أرسطو ولا عن أفكاره، بل سأتحدث عن المشي وعن علاقته بالعمل والوظيفة اليوم.

أحب المشي في العمل، وصار الآن أشبه بالعادة اليومية التي يتوجب علي إنجازها.

وأحمد الله أنني أعمل في مكان فيه أرجاء واسعة وفسيحة، مليئة بالأشجار والنباتات، والممرات المظللة.

غالباً ما أقضي الوقت الذي يسبق صلاة الظهر ماشيا. أشارك هذه العادة الجميلة أحد الأصدقاء المسؤولين في جهة عملي، والذي يتقاطع عملي وعمله بشكل كبير.

لا أذكر الموضوعات التي ناقشناها في سيرنا اليومي، ولا أذكر عدد الإجراءات التي عدّلنا عليها بما يضمن تدفق العمل بشكل أكبر وأفضل جودة. كما لا أتذكر كم هي الأفكار التي إما تدارسناها أو بلورناها في نصف الساعة التي نقطعها ذاهبين وعائدين في الممر الواسع.

ولا أعرف كم هي نقاط الاختلاف التي وضعنا لها إطاراً ينهيها في رياضتنا اليومية، والأكثر من ذلك: كم قضينا في تأملنا اليومي في مسيرات العمليات الإدارية التي إما نحن تيار أساسي أو جزء لا يتجزأ فيها، والتي بناء عليها نتفق أو نختلف في تسريع الوتيرة أو تخفيضها.

أكثر من ذلك أن هذه العادة أصبحت بالنسبة لي وله، نوع من الابتعاد عن ضغوطات العمل، ونوع من تجديد النشاط والحيوية، وجزء من التفكير الجيد الذي يصفي الذهن في بعض الأعمال التي نصاب أمامها بالحيرة، إلى درجة أننا أصبحنا نطلق على هذه العملية اليومية (مشي عمل) وكأنه جزء لا يتجزأ من عملنا اليومي كالاجتماعات والمراسلات والاتصالات وخلافه.

أتذكر هنا أن الدكتور إبراهيم المنيف عندما كان يعمل مديراً عاماً لصندوق التنمية العقاري كان له أسلوب يسميه (الإدارة بالتمشي) والذي يقضيه ماشياً بين الإدارات والأقسام، ويقول عنه:

إنه أسلوب أخوي وليس أبويا، بمعنى أنه أسلوب تعاوني دون تكلف، يختلف عن التعامل الرئاسي ما بين الرئيس والمرؤوس، حتى أنه يذكر أن فكرة الأرقام التسلسلية للمواطنين في الصندوق والذي استمرت لأكثر من ثلاثين عاماً جاءت نتيجة لهذا الأسلوب، والقصة مذكورة بالكامل في مذكراته.

في ظني أن المشي رياضة مهمة جداً، وليست نوعاً من أنواع الترفيه، وبرنامج جودة الحياة ومستهدفاته يؤكد هذا الأمر، ولأنه ليس بالضرورة أن كل أماكن العمل فسيحة وواسعة، فإنني أعتقد أن توفير الصالات الرياضية والأماكن الخاصة بأجهزة السير في الجهات الحكومية وشبه الحكومية أمر لا بد منه، حتى لو كانت بيئة العمل لا تساعد؛ كالأبراج والمباني الضيقة.

أعجبتني الحلقة التي جاءت في برنامج الشقيري في رمضان الماضي، عن الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن).

فيها أخبرتنا الهيئة كيف أن البيئة الجميلة التي سعت إليها بما فيها منطقة الصالة الرياضية أسلوب إداري ممتع وصحي جداً.