نظم معهد الإدارة العامة، الأربعاء والخميس الماضيين، مؤتمرا عن الابتكار ومستقبل العمل الحكومي. وقد حرصت على الحضور، والاستفادة مما طرح فيه من أفكار ومعلومات، وكذلك من أجل الالتقاء بشخصيات قيادية وإدارية لها وزنها وثقلها في عالم الإدارة الحكومية.

أعجبني التحدث عن الاقتصاد ضمن المحاضرات والنقاشات في المؤتمر، وكيف أن الأعمال الحكومية وابتكاراتها لا يمكن أن تتم بمعزل عن الاقتصاد، وما يدور في فلكه.

أيضا من أهم النقاط التي أثيرت في عدد من النقاشات، على الأقل النقاشات التي حضرتها أنا، فكرة التعليم والتدريب، وكيف أن الاهتمام بهذا الجانب يجب أن يكون كبيرا ومؤثرا.

ومن جانب آخر، أثارتني النقطة التي تحدث فيها الدكتور رجاء المرزوقي، كبير المستشارين الاقتصاديين في وزارة الاقتصاد والتخطيط، حيث قال: المعدل الطبيعي للإنفاق على البحث والتطوير والابتكار لدى الدول المتقدمة، الذي يعود إيجابيا على اقتصاداتهم، يتراوح ما بين 2 و%3، وفي اقتصادنا لم يتعد إنفاقنا على البحث والتطوير أقل من ربع من %1، على الرغم من وجود إستراتيجية خاصة بهذا الأمر منذ 2009، ودعم الرؤية هذا الاتجاه.

للأمانة هذه معلومة صادمة جدا، ولا يمكن أن تمر مرور الكرام، حيث إن من الضرورة بمكان أن تكون لدينا خطة واضحة ومعروفة عن البحث والتطوير والابتكار، تخضع لها جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة، وبالطبع لا يمكن لنا الفصل ما بين البحث والتطوير، وما بين التدريب والتعليم، حيث في ظني أن البحث والتطوير هو الجانب الفكري للتدريب والتعليم، لأن كل تدريب أو تعليم لا بد من أن يأتي بعد بحث يتم تطويره، وكل ابتكار لا بد من أن ينطلق من بحوث تطويرية مدعومة. لذا، فإننا نحن في المملكة نحتاج إلى إنفاق زائد على الأبحاث والابتكار، تقوده الجامعات الحكومية والجهات الصناعية، ومن مؤسسات التدريب على التدريب والتعليم. لذلك، فإن على راسمي السياسات المالية في وزارتي المالية والاقتصاد في الأعوام القادمة أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار. أقول هذا الأمر لأننا جميعا نعرف أن القطاع الخاص لن يقدم المبالغ الضخمة في هذا الشأن.

تفاصيل ومعلومات وأفكار كثيرة ومتعددة طرحت في النقاشات والمحاورات الفكرية على مسرح المؤتمر، وأعتقد أن مؤتمرا واحدا في هذه المواضيع لا يكفي، بل يتوجب أن تتبعه محاضرات وندوات أخرى تفصل ما جاء فيه.

للأمانة لا أستطيع أن أتحدث عن الإدهاش الذي قدمه معهد الإدارة العامة للحضور في هذا المؤتمر.. عناوين لمحاضرات قيمة.. متحدثين مذهلين.. مكان رائع جدا.. ضيافة مميزة.. معرض مصاحب ثري وجميل. أما أكثر ما أعجبني، فهو العدد الخاص من مجلة الإدارة العامة الذي جاء خاصا بهذه المناسبة، حيث جاءت فيه ستة أبحاث متخصصة عن الابتكار في القطاع الحكومي.

أخيرا.. أتمنى من المعهد أن يفرّغ كل ما تحدث به المحاضرون على شكل كتب، تقوم على فكرة الحوارات، مما يمكّننا كمهتمين من الرجوع إليها مستقبلا، والاستفادة منها مرة أخرى.