قرأت قبل فترة كتابا لعثمان الربيعة بعنوان: قضايا وتحديات وخيارات: تعكسها مذكرات ستة وزراء للصحة وثلاثة أطباء استشاريين.

فكرة الكتاب دراسة معمقة للسير الذاتية التي كتبها هؤلاء الستة من الوزراء وهم: جميل الحجيلان، حسين الجزائري، غازي القصيبي، أسامة شبكشي، حمد المانع، وعبدالعزيز الخويطر.

انقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء، تحدث في الأول عن المذكرات نفسها بملخصات بسيطة تعطي صورة مجملة عن أهم الأحداث والأهداف التي حدثت في عهد ذلك الوزير. ثم تحدث في الثاني عن الوزراء في مهامهم وهمومهم من حيث توجهاتهم الإدارية ومن حيث عملهم في المرافق والخدمات الصحية، ومن حيث الرعاية الأولية والوقائية، وماذا قدموا حيالها، ثم عن القوى العاملة الصحية، وكذلك عن العلاقات بين القطاعات الصحية الأخرى والعلاقة مع الإعلام، وأيضاً عن الحج كأحد أهم الركائز والأولويات لدى الوزارة، ثم تحدث عن الرؤى الإستراتيجية المستقبلية، وأخيراً تحدث عن نقاط الالتقاء والاختلاف وعن الاتجاهات والتصور الإستراتيجي بين الوزراء.

وفي الجزء الثالث تحدث عن مذكرات الأطباء: فالح الفالح، ومحمد المفرح، ومحمد أبو ملحة، وأخيراً ختمها بمفكرات للدكتور عبدالعزيز الخويطر.

حقيقة أن الكتاب يعد مبحثا إداريا متميزا للعاملين في إدارة القطاع الصحي، حيث يعطي تصورا عن كيفية النظر إلى هذا القطاع الضخم ومدى أهميته لدى القيادة السعودية التي توليه أولى أولوياتها، وأيضاً يشرح بنظرة شمولية الجهد العظيم الذي قدمه الوزراء فترة توليهم لهذا القطاع، والذي صار بجهودهم، لدى المملكة خدمة طبية جيدة جداً بالنظر إلى رقعتها الجغرافية الضخمة، ومقارنة بالدول المحيطة والمماثلة.

في ظني أن الكاتب نجح في اختياره للعنوان، وكذلك نجح في رصده وتتبعه للأعمال والإنجازات التي قدمتها القيادات السعودية في هذا القطاع.

استمتعت جداً بقراءته رغم عدم عملي في الإدارة الصحية، حيث بدأ المشهد يتمثل أمامي، والخيوط تتضح منذ عهد الملك فيصل، عندما استدعى الحجيلان وهو الوزير الناجح في الإعلام، ليأمره باستلام الصحة عام 1970. مروراً بمن بعده من الوزراء، وانتهاء بحمد المانع الذي انتهت وزارته في 2009.

هذا الكتاب تكمن أهميته في رصد المشهد الإداري الطبي في المملكة، ويقدم طرحاً جاداً وعميقاً في هذا الجانب الإداري الضخم والمهم.

وبناء على ما قدمه هذا البحث الرائع، أستطيع القول إن من المهم رصد ما حصل في وزارة الصحة من قرارات كبرى ومصيرية في فترة كورونا، وكيف استطاعت الصحة بقيادة وزيرها السابق المميز توفيق الربيعة إدارة الأزمة في المملكة، وتنتظم خلفها الوزارات كافة، والتي بها استطاعت الدولة اجتياز أكبر تحدٍ عالمي في الفترة الأخيرة.

رسالة أخيرة أقدمها إلى القراء من الأطباء العاملين في المستويات الإدارية في وزارة الصحة، إن رصدكم وكتابة مذكراتكم لما ترونه من أعمال جوهرية في هذا المجال، لا يقل أهمية عما يكتبه وزراؤكم، سجلوا مشاهداتكم وأفكاركم، واكتبوها، وسيأتي من بعدكم أشخاص يقرؤون بعين المتفحصين ما كتبتموه وقدمتموه.