يقول أبراشوف في كتابه «إنها سفينتك: تقنيات إدارية من أفضل سفينة في سلاح البحرية» إنه عندما أسندت له قيادة السفينة، قرأ من ضمن ما قرأ، أن إحدى الجهات العسكرية الأمريكية، أجرت استطلاعاً لمعرفة أسباب ترك المجندين لوظائفهم، فجاءت النتائج كالتالي: أولاً، عدم معاملتهم باحترام أو بكرامة.. الثاني، منعهم من ترك بصمة في المؤسسة العسكرية.. الثالث، عدم الاستماع إليهم.. الرابع، عدم مكافأتهم بإسناد المزيد من المسؤوليات إليهم.. والخامس، تدني الرواتب والمزايا المالية، ثم اطلع على بحث آخر يخص الجوانب المدنية، فوجد أن النتائج متطابقة إلى حد كبير، مع نتائج المسوح العسكرية، وبناءً على تلك الأبحاث توصل إلى الاستنتاج الحتمي الذي يقول: إن المديرين في كثير من الأحيان، هم من يرتكبون الأخطاء نفسها، التي تؤدي إلى تسرب الأشخاص المميزين من مؤسساتهم.

أظن أنني أيضاً أميل إلى هذا الرأي نفسه، الذي يراه أبراشوف، حيث أعتقد أن اهتمام القائد أو المدير بالعاملين معه بشكل شخصي، يجعل منهم أشخاصا على قدر عال من الكفاءة والمسؤولية في العمل.

حيث إن إحساسهم بأنك تقدّرهم لأشخاصهم، يجعلهم يحسون بأهميتهم في عمليات اتخاذك للقرارات في العمل، وبالتالي فإن هذا الأمر ينعكس على جودة أعمالهم، والعكس صحيح.

الدكتور إبراهيم المنيف المتخصص في إدارة الأعمال، عندما تم تسليمه ملف إدارة قطاع الكهرباء في المنطقة الوسطى، في وزارة غازي القصيبي، استطاع إنجاز مهمته في تحويل 44 شركة، متوزعة في مناطق الرياض والقصيم وما حولها، إلى شركة واحدة قوية، وأظن أن نجاحه لم يكن متعلقاً بفهمه لصناعة الكهرباء، بقدر فهمه لصناعة القادة من تحته، الذين تناغموا معه لإنجاز هذا التحول الضخم، أتذكر أنه كتب في مذكراته عن هذا الموضوع يقول: إنه جاء للقطاع غريباً عن القادة العاملين فيه، ومن ضمن إبداء الاهتمام بقادة القطاعات الذين يعملون أدنى منه، أخذ يحاول أن يخلق الفرص ليسألهم عن أطفالهم وأبنائهم وهواياتهم، هذا الأمر كان غريباً في البداية، ولكن مع الوقت بدأ الآباء مشاركة قائدهم بنجاحات أطفالهم، مما أوجد نوعاً من الألفة بينه وبينهم كعاملين معه، وبالتالي أصبحت قيمة الاحترام والتقدير، هي القيمة العليا في العلاقة بين إبراهيم ومرؤوسيه.

أيها السادة، حفظ مكانة الآخرين والاهتمام بهم واحترامهم، يصنع منهم أشخاصا رائعين جداً، العاملون معك يا عزيزي القارئ هم مجرد انعكاس لك، فإن أحسوا منك الاهتمام والتقدير، وكذلك الإنصات، ومن ثم التمكين لهم بالعمل، وأيضاً حرصك على مساهمتك، في المحافظة على امتيازاتهم الوظيفية والمالية، فإنهم سوف يقدمون لك أشياء لم تكن تحلم بها أبداً أبدا.