وكانت إدارة المنظمات في القطاع «على اختلاف مستوياتها» يداً مساهمة في التحسين والتطوير، إلا أنه وجد بعض القصور والاجتهاد من باب حسن النية في العمل. ولا يغيب على المتبصر في شريعة الإسلام أنها قد جعلت للنية قدراً عظيماً في ميزانها، فلا يقبل عمل إلا بها، وليس للإنسان إلا ما نوى، ويؤجر الإنسان على النية الصالحة ولو لم يفعلها، ويأثم على النية الفاسدة ولو لم يعملها. والعمل إذا جانب الصواب ولو كانت نية صاحبه حسنة فإنه لا يؤاخذ إلا بعمله كم قال عمر، رضي الله عنه، بعد وفاة النبي، ﷺ، «إن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً، أمِناه، وقربناه، ومن أظهر لنا سوءًا، لم نأْمنه ولم نصدقه، ولو قال: إن سريرته حسنة».
وهذا المبدأ في التعامل (الأخذ بالظاهر) ميزان عادل لممارسات الناس وأعمالهم، فكلٌ موكل بعمله لا بنيته، فالله يتولى السرائر وللناس الظاهر.
ومن باب ضبط العمل ومتابعته، وتجنب التقصير الذي قد يقع بحسن نية، فقد دشنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مبادرة مكين لحوكمة المنظمات غير الربحية، وشملت المبادرة ثلاثة معايير للمتابعة هي:
(معيار السلامة المالية - ومعيار الامتثال والالتزام - ومعيار الشفافية والإفصاح)، وقد شملت هذه المعايير خمسة وعشرين مؤشراً، مقسمة على أكثر من مئتين واثني عشر سؤالا.
كما أن منصة «أريب» جاءت لمتابعة المنظمات مالياً وإدارياً.
هذا الزخم الكبير والسعي في التطوير من قبل الجهات الإشرافية والمنظِمة، يستوجب تضافر الجهود من قبل إدارات المنظمات غير الربحية، للوصول إلى مستهدفات رؤية المملكة 2030. كما لا يحسن بمن يدير منظمة غير ربحية أن يُفرِط في ضبط إجراءاته وعمله، بل لا بد له من أن يُحكِم كل أمر ويوثقه، ولا يركن إلى الثقة وحسن النية. فقد جاء الإسلام حاثاً على التوثيق في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ}. وزخرت سيرة النبي ﷺ وأصحابه بمواقف تدل على أهمية التبيين، ومن ذلك موقف النبي ﷺ مع أم المؤمنين صفية، رضي الله عنها، حينما كان النبي معتكفاً، وزارته صفية في المسجد، وأراد النبي أن يرافقها لتصل إلى البيت، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله ﷺ أسرعا في المشي، فقال: «على رِسلكما إنما هي صفية بنت حيي»، فقالا: سبحان الله يا رسول الله!، فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفتُ أن يقذف في قلوبكما شرا».
ومن المعلوم أن شبه الفساد والأخطاء المالية حين حدوثها يقع على عاتق مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية.
فما كان مقبولاً قبل عشرين سنة فهو غير مقبول الآن، وما قد يحصل من ممارسات-خاطئة- بحسن نية تكون سبباً للمساءلة والمحاسبة.
فبقاء ثوب القطاع ناصعاً مسؤولية مشتركة، ودفع عجلة تنميته واجب مجتمعي.