بين أوراق المرحوم العميد الدكتور طه حسين صورة خطاب غير مؤرخ وجهه إلى وزير التربية والتعليم أو وزير المعارف العمومية في ذلك الوقت عن تيسير النحو العربي وإصلاح الكتابة العربية يقول فيه (إن لهاتين المسألتين المشكلتين خطرا عظيما هو أظهر من أن يحتاج إلى وصف أو بيان).

وقد كان هذان الموضوعان يشغلان بال طه حسین وأهل جيله، واتجه بعضهم - مثل المرحوم عبدالعزيز باشا فهمي - إلى التفكير في استعمال الحروف اللاتينية، فأنكر طه حسين ذلك عليه وخاصمه فيه أشد الإنكار وأعنف الخصام، ولعل نشر هذا الخطاب اليوم أن يساهم في الوصول إلى حل لهاتين المسألتين المشكلتين، يقول طه حسين في خطابه «إن الحياة الصحيحة للغة العربية رهينة به».

حضرة صاحب المعالي وزير المعارف العمومية:


تفضلت فتحدثت إلي في مسألتين لهما في حياتنا الفعلية أبعد الأثر وأبلغه إحداهما تتصل بتيسير النحو العربي وجعله ملائمًا لطبيعة العصر الذي نعيش فيه موافقًا لمزاج العقل الحديث. والأخرى تتصل بإصلاح الكتابة العربية بحيث تعصم القارئين من الخطأ وتمكنهم من أن يقرؤوا الكلام كما أراد صاحبه أن يكتبه، وكما يحب صاحبه أن يقرأه الناس. وما أشك في أن لهاتين المسألتين خطرًا عظيمًا هو أظهر من أن يحتاج إلى وصف أو بيان.

وقد أثبتت التجارب التي لا تقبل شكًا ولا تتعرض لريب أن شبابنا بعيدون كل البعد عن أن يعرفوا لغتهم معرفة متوسطة فضلًا عن أن يحسنوها ويتصرفوا فيها تصرف المالك لها العالم بها المتقن لدقائقها وأسرارها، وشبابنا مع ذلك ينفقون في درس اللغة العربية وينفق معهم أساتذتهم وقتًا طويلًا ويحتملون في ذلك ويحتمل معهم أساتذتهم جهدًا ثقيلًا فهم يدرسونها أربعة أعوام في التعليم الابتدائي وخمسة أعوام في التعليم الثانوي ثم يصلون إلى الجامعة وهم عاجزون أشد العجز عن أن يصوروا آراءهم وخواطرهم تصويرًا صحيحًا بالكتابة أو الخطابة أو الحديث فضلًا عن أن يصوروا هذه الآراء والخواطر في الشعر الرائع أو النثر الفني الجميل، وقد اعترفت وزارة المعارف نفسها بهذه الحقيقة بعد أن أقنعتها التجربة بها ودلتها الحوادث عليها فساقت إلى الذين يعنون بتعليم اللغة العربية حديثًا تسألهم فيه من أسباب هذا العجز الظاهر.

إن النحو الذي نعلمه لتلاميذنا وطلابنا في القرن الرابع عشر للهجرة هو بعينه النحو الذي كان يعلم في البصرة والكوفة وغيرهما من مراكز الثقافة الإسلامية في القرن الثاني والثالث للهجرة أي أننا نعلم النحو في هذه الأيام على الطريقة التي كان يعلم عليها منذ أكثر من ألف سنة.. ولاحظت أن العلوم كلها قد تطورت وتغيرت أصولها وقواعدها ومناهج تعليمها والبحث عنها إلا علوم اللغة العربية فإنها ظلت كما هي لم تتطور ولم تتغير إلا أن يكون ذلك من طريق الاختصار الذي لا يذلل صعبًا ولعله يصعب السهل ويدفع الواضع إلى الغموض وليست العلوم وحدها هي التي تطورت أو بعبارة أصح لم تتطور العلوم إلا لأن العقل نفسه قد تطور وتغير فأنتج علمًا مخالفًا لما كان نتيجة من قبل وعجز عن إساغة العلم القديم الذي كان يسيغه العقل القديم.. وما من شك في أننا لا نستطيع التفكير في أن تعلم الطبيعة والطب على نحو ما كان يعلمهما الرازي وابن سينا.

1988*

* كاتب ودبلوماسي مصري «1915-1993»