من البيئة التي تحيط بنا نتعلم ونستفيد، فالحياة مليئة بالتجارب التي تنقح خطواتنا، وتلملم شتات أنفسنا في عالم متسارع لا يقبل إلا بالمواكبة والتطور، فإن لم تتقدم خطوة سوف تقبع في مكانك، وكما يقول الصمد «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ» (سورة يوسف)، فالقصص من الوسائل التي تنقل خبرات الآخرين، فترسم لنا الطريق والأسلوب الذي يبعدنا من التكرارات المذيلة بالنهايات السيئة، فإن كانت القصص كذلك فكيف بما نعايشه من واقع التجربة الحياتية، الذي بطبيعته يرمم جوانب القصور لدينا من أخطاء الآخرين وتعثراتهم.

سأسوق مثالا من وحي الواقع لشخصين:

الأول رجل لديه رسالة يريد أن ينشرها للآخرين مثل الرجل الثاني، وكلاهما على قدر من العلم والحكمة، ولا أزكي على الله أحدا، إنما الفارق يكمن في أن الشخص الأول لديه حس المشاركة التسويقية لمجاله، حيث استضافته المحطات التليفزيونية، وتناولت أطروحاته، وكُتبت المقالات عنه، وما بين التليفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي يمشي ويتواكب بخطى ثابتة، لكي يقدم لجمهوره القيمة والفائدة.


أما صديقي الآخر، فيتقاسم معه المجال نفسه، ولا يتقدم عليه في شيء أو يتأخر، بل تقديم الدورات التدريبية يدخل ضمن نطاق تخصصهما، ولكن الفرق فيما بينهما أن الثاني على الرغم من سعيه لإخراج مادته التدريبية بأحسن جودة، وبحثه عن أفضل القاعات التدريبية، لكي يقدم المعرفة، فإنه لا يحب التسويق، بل لن تجد له حسابا واحدا في وسائل التواصل الاجتماعي فعالا، ينشط فيه ويقدم ويشارك أفكاره مع الناس، وسوف تتعجب يا صديقي إن قلت لك إن له كتاب في إحدى المكتبات الكبرى في المملكة يحتوي على 600 صفحة دون أن يفكر في تسويقه أو نشره سوى عبر محاولاته الهزيلة في تقديمه مع دورته التدريبية.

وبالمقارنة بين الشخصين، نجد أن الأول كون له قاعدة جماهيرية. كما أن مجرد البحث عن اسمه في «يوتيوب»، ومشاهدة استضافاته على القنوات التليفزيونية الشهيرة، وحسابات التواصل التي تمثل نشاطه مباشرة، إن كنت مهتما بالمجال نفسه، سوف ينتابك الفضول لمتابعته، والحرص على حضور دوراته المعرفية التي يقدمها، وعلى النقيض الآخر، فحينما تتجول في إحدى المكتبات الكبرى، وتجد الكتاب الثقيل، الذي حدثتكم عنه، لن تتحمس لشرائه، وأنت لا تعرف حقا من هذا الكاتب؟، عوضا عن أنك عندما تبحث عن اسمه في محرك البحث «جوجل»، فلن تجد له شيئا، وكأنه سراب.

إننا في زمن التسويق، فإذا لم تسوق لنفسك بالدرجة الكافية، سوف تدور في دوائرك المعزولة.

وعلى مستوى الوظيفة والتوظيف، نجد أن موقع «لينكد إن»، الذي يضم أنواعا مختلفة من القطاعات الحكومية والهيئات العامة والشركات المتعددة، له حضور قوي، وإنشاءك حسابا في موقع التوظيف الشهير (لينكد إن) سوف يعزز من وجودك، ويظهر خبراتك وشهاداتك، بل إن نسبة عالية من الفرص الوظيفية تتاح من خلاله في مختلف القطاعات.

التسويق هو الوجود، فكيف تثبت حضورك المهني دون أن يكون لك وجود رقمي في عالم تتحدث خوارزمياته في كل لحظة، إرسال سيرتك الذاتية أصبح من الماضي، وجود قاعدة بيانات هائلة في موقع عالمي يتيح لأي جهة تريد فتح باب التوظيف أن تطلع على تلك البيانات، التي تعطيها صورة دقيقة وشاملة عنك من جميع النواحي: شخصيتك - أسلوبك - كلماتك - أفكارك، ومن ثم تتقلص الاختيارات حتى يتم ترشيح الموظفين الأكفاء.

المثال الذي طرحته لا أناقش قصة ارتأيت مشاركتها وحسب لشخصين على الدرجة والكفاءة نفسها، ولكن لتوضيح الفارق المذهل بين المسوق الذي تجاوز الوقت الذي سوف يقطعه الآخر في مدة أطول لو أراد أن يتطور في مجاله، فالتسويق ضرورة لا مناص عنها للموظف والمدير والمدرب والشركات بكل تأكيد، وكل من أراد أن ينتقل إلى الخطوة التالية في مسيرته.

هناك مقولة رائعة للكاتب جو جيرارد، مؤلف كتاب «كيف تبيع لأي شخص»، تقول: «إذا استطعت أن تصل إلى حواس العملاء، فأنت تصل بذلك إلى مشاعرهم، فكثير من الأمور تُشترى من باب الشغف والمشاعر، وليس من باب المنطق».

التسويق هو بناء قصة جذابة حول منتج معين، وإقناعك به هو استحداث مشكلة قد لا تعانيها، ولكن الأسلوب التسويقي هو ما يجعل شراءك هو الحل.

صفوة القول: لكي تكون رقما صعبا في مجالك، أيا كان تخصصك، احترف التسويق الشخصي، بعد التأكد من القيمة التي تقدمها، وأعدك، بعد توفيق الله، سوف تحقق طموحاتك، فالعمل الدؤوب والتسويق سوف يصلان بك إلى وجهتك المنشودة.