تنشئة الإنسان السعودي تتكامل فيها الفطرة السوية مع المبادئ الدينية والقيم العربية النبيلة. لذا طالما سارع لأجل حاجة أخيه الإنسان، دون حساب أو تدبير أو تنظيم، فهو يُعطي ويُكرم ويُلبّي الحاجة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. وهذا يعني أن رؤية قيادتنا الرشيدة حول تفعيل مفهوم وممارسات المسؤولية الاجتماعية وتنظيم الأعمال التطوعية، تستثمر في تربة خصبة.

حيث تهدف رؤية السعودية للوصول إلى مليون متطوع ومتطوعة بحلول 2030، وقد حققنا حتى الآن أكثر من 50% من المستهدف المأمول. إلى جانب إطلاق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للاستراتيجية الوطنية في مجال المسؤولية الاجتماعية التي ترمي إلى تمكين القطاع الخاص المحلّي ليكون نموذجًا عالميًا في المسؤولية الاجتماعية للشركات، لتعزيز الأثر الاجتماعي والبيئي والاقتصادي بالتكامل مع القطاع العام الذي يعمل على تحديد الأولويات التنموية وتوفير محفزات العمل، والتكامل مع القطاع غير الربحي الذي يعمل على تطوير المبادرات والمشاريع التنموية وتنفيذها كوسيط للوصول إلى المستفيدين.

و جاءت هذه الأهداف في تقاطع مدروس مع أهداف التنمية المستدامة (SDGs) لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالسعودية، بإطار من الاستثمار في الإنسان لتمكينه وتوفير حياة كريمة له من جهة، وتلبية احتياجاته والحد من تحديات معيشته عبر توفير شبكة أمان اجتماعي له من جهة أخرى. وهذا ما تُيسّره قيمة التطوع إلى جانب عدة ممكّنات أخرى. فالمتطوعون هم أبناء المجتمع يعرفون احتياجاته، ويشعرون بمشكلات وتحديات أفراده، وهم الأقدر على تلبيتها بما يتناسب مع الإمكانيات والظروف في تعبير صريح عن التماسك الاجتماعي.


التطوّع قيمة مشهودة وجوائز مرصودة

ما زلتُ أذكر تجربتي في التطوع منذ المرحلة الثانوية قبل 10 سنوات، آنذاك لم تكن قيمة التطوع معنية ومرعية بمثل ما هي عليه اليوم، ومع ذلك كانت هناك جمعيات عدة تخدم الأسرة والشباب وبعض فئات المجتمع الأكثر حاجة لخدمات الدعم والرعاية والاجتماعية، واستقبلتني تلك الجمعيات في حينها أنا والشابات اللاتي أعرفهنّ من الصديقات والزميلات برحابة، وأتاحت الفرصة لنا لنتعلّم ونُعلّم ونقف على احتياجات مجتمعنا المحلّي بكل جديّة وشغف من قِبلنا، وتقدير وتمكين من قِبل الجمعيات الأهلية. أما اليوم فالحال أكثر ازدهارًا وإشراقًا، فقد أُطلقت منصة وطنية تُنظم الفرص التطوعية المتاحة من قبل الجهات وترصد ساعات المتطوعين، ما يتيح تقديرهم تقديرًا ظاهرًا تشهده العائلة والمحيط بل والوطن كلّه، وهذا مدعاة لتحفيز بقية الشباب للإقبال على الأعمال التطوعية وإزكاء حسَّ المسؤولية الاجتماعية لديهم.

لا يفوتني ذكر دور الجامعات الرئيس في تفعيل هذه القيمة وتيسير العمل عليها، سواء من خلال المناهج والمقررات الاجتماعية، أو السياسات المستحدثة حول الساعات التطوعية المطلوبة من الطلبة، إلى جانب وكالات العمادات للأنشطة الطلابية التي تتيح للطبة إنشاء فرق تطوعية بمختلف التخصصات والاهتمامات ،وتيسير ممارساتهم التطوعية داخل الحرم الجامعي، أو بالتكامل مع الجهات ذات العلاقة في القطاعات كافة.

ولا زلتُ أذكر حماسة أخي الأصغر إزاء إحدى المبادرات التطوعية التي يقودها في جامعته لإتمام المهام وتصميم المبادرة، وتحفيز فريقه للعمل عليها ورصد نتائجها. وهذا أثر ألمسه شخصيًا وقد تلمسه كل أسرة في شبابها عند تطوعهم وحدوث التغييرات الإيجابية في شخصياتهم، وتطوّر مهاراتهم على مستوى التفكير النقدي والإبداعي في التعامل مع المشكلات والتحديات الحياتية، أو على مستوى ارتقاء الحساسية الإنسانية تجاه الآخرين وتفهم مواقفهم واحتياجاتهم، أو حتى على مستوى المهارات الناعمة المرتبطة بالتواصل وغيرها.

وهذا ما تؤكّده نتائج دراسة حديثة أجراها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) بالمنطقة الشرقية حول تأثير العمل التطوعي في الأفراد المتطوعين بالمركز، حيث أظهرت النتائج نموًا إيجابيًا في الأداء الأكاديمي لدى المتطوعين من الطلبة، وأن التطوّع رفع مستوى الوعي لديهم بالقضايا المجتمعية إلى نسبة 17%، بالإضافة إلى تحسن مستوى الصحة النفسية بينهم بنسبة تتجاوز 70%، ما عزز لديهم شعورهم بالفاعلية والكفاءة الذاتية.

تأتي الجائزة الوطنية للعمل التطوعي التي أطلقها وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، متممة لكل هذه الجهود، تحفيزًا للأفراد والجهات نحو تفعيل قيمة العمل التطوعي وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، حيث سنشهد هذا العام تتويج الفائزين في النسخة الخامسة تحت شعار (مجتمع معطاء) ضمن عدة مسارات تضمها الجائزة.

وفق كلّ ما وقفنا عليه، ندرك أن في الوطن الطموح مواطنون مسؤولون عقدوا عزائمهم لتحقيق تطلعاته، وفي الوطن الطموح متطوعون مبادرون وظفوا إمكانياتهم لتلبية احتياجاته.