في أحد الصباحات وبينما كنت أتصفح منصات السوشال ميديا بحثًا عن الجديد، لفت انتباهي هاشتاق (#فيبلديأتكلم_لغتي)، والذي لقي تفاعلًا جيدًا من قبل المشتركين في المنصة.

بدأت فكرة الهاشتاق بتحدث أحد الأشخاص عن تجربته في مطعم، حيث كان يصف عائلة أخفقت في التواصل مع ممثل خدمة العملاء الناطق بغير العربية، ما أثار سخرية بعض الأشخاص ( الكول ) على حد قوله من العائلة السعودية غير الناطقه بالإنجليزية.

عادت بي الذاكرة لمواقف لا تحصى عن فقدان حلقة الوصل بيني وبين الإخوة من دول أخرى قبل أن أجيد اللغة الإنجليزية في حدها المتوسط، ولست وحدي التي وجدت نفسها تنفض الذاكرة بعد هذا الهاشتاق، بحثًا عن مواقف مشابهة كانت مثقلة بالإحراج، إذ أن تفاعل الناس خير شاهد على تفاقم الوضع، الذي بدوره بدأ يأخذ أشكالًا متعددة تتعلق بالمظاهر الاجتماعية، أكثر من كونها لغة خطاب ومادة للتعلم والمعرفة.

ونعجب من تلك الفئة التي ترى في التحدث باللغة الإنجليزية أمرا إلزاميا لا مناص منه لمواكبة التطور، فهي على حد علمي القاصر، لغة العصر والمال والأعمال، غير أنها من المفترض أن تكون لغة مجانبة، وليست لغة يِستعاض بها عن اللغة الأم/‏ اللسان الأصلي! فمن غير المنطقي إطلاقًا الهروب من لغتنا العريقة، وترك أول مفاتيح الهوية، لاحتواء لغة أخرى لا توازي (رحابة) واتساع لغة (الضاد) في شيء.

تحدث المواطن في بلده بلغته الأم، حق مشروع، وقد عرفنا دولًا كثيرة يتحدث شعبها لغات متعددة بحكم مواقعها الجغرافية أو لأسباب أخرى مثل الاستعمار، ومع ذلك يتعاملون مع لغتهم الأم باعتزاز بالغ، واحترام كفيل بتعلم من يزورهم سواء سائح أو مقيم، ولو القليل منها حتى ينخرط في تعاملاتهم بيسر وسهولة، ولنا في الألمان مثالًا جيدًا في هذا المقام.

أما فيما يخص العمل، فقد شاع كثيرًا في القطاع الخاص على وجه التحديد، جعل اللغة الإنجليزية شرطًا لقبول التوظيف، والحجة في ذلك للتواصل مع الموظفين الآخرين من دول أجنبية داخل المنشأة.

وأسهم هذا بشكل مباشر أو غير ذلك، في خلق حالة من الهوس لدى الأوساط الشبابية- أسميها انجليزوفوبيا- من أجل تعلمها حتى ولو من دون شغف، فقط لمجرد الحصول على وظيفة !.

وهذا يجعلنا نتساءل؛ هل من المنطقي أن يُجبر المواطن في بلده - سواء في عمله أو في الأماكن العامة - على تعلم لغة المقيمين - غير الناطقين بالعربية؟

لماذا لا تكون المعادلة معكوسة! لماذا لا توضع خطط لتعليم اللغة العربية لغير المتحدثين بها، وجعلها شرطًا أساسيًا لقبول أي موظف من خارج المملكة! مثلما يحدث تمامًا في الدول الغربية!

والملاحظ أن أحوج القطاعات إلى وضع خطط لتعليم العربية لغير الناطقين بها هي القطاعات الصحية، حيث تتسع الفجوة بين المرضى والقائمين على رعايتهم في ظل اختلاف اللغات. وهذا ما يجعل مهمة الرعاية، أصعب مما لو كانت الألسن موحده.

خلاصة القول، إن سيادة اللغة الإنجليزية لا تعني التطور، كما أنها لا تعني بأننا نتكئ على لغة فريدة من نوعها ومتقدمة دائمًا، ولا تعني أن أفرادًا أعلى من أفراد آخرين في الميزان الاجتماعي، إنها حصيلة تعليمية ليس من المفترض أن تأخذ مكانة أكثر من ذلك، مثلها مثل بقية اللغات التي تعتبر (منقذة) عند الحاجة فقط، وليست لغة تُدفن بها لغة عظيمة مثل لغة (الضاد).