لطالما تخطر قارة أفريقيا على أذهاننا حينما تقال عبارة «القارة السمراء»؛ فساكنوها تغلب عليهم السمرة إلا في بعض جهاتها المعروفة. ولطالما كذلك كانت هذه القارة ذات تاريخ كبير مع الاستعمار الأجنبي الذي يستهدف ما تنوء به من خيرات وثروات وكنوز طبيعية ومعدنية وبشرية ونفطية، فضلا عن المطامع السياسية التوسعية. لهذا دائمًا ما تكون قارة أفريقيا بدولها المتباينة بين القوة والضعف في مناحيها المختلفة هي مثار اهتمام عالمي من الدول الأقوى عالميًا اقتصاديًّا وسياسيًّا وتحاول أغلب هذه الدول أن تقدم يد العون للدول الأفريقية من خلال اسقاط القروض أو إنشاء مشاريع تنموية مختلفة على أراضيها، أو تقديم دعم مالي وإنساني ولكل دولة أهدافها وأسبابها لذلك.

مصطلح «القارة الصفراء» بات شائعا في السنوات الأخيرة حين الحديث عن قارة أفريقيا، ويعني بهذا التوسع الصيني الملحوظ في هذه القارة خاصة في الألفية الأخيرة في محاولة من الصين لتعزيز قواها الاقتصادية ومكانتها السياسية في أفريقيا وأمام دول العالم العظمى الأخرى. التطور الاقتصادي الهائل الذي تعيشه الصين جعل من حاجتها للموارد النفطية ملحة فهي تعرف أنها ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم؛ وقد وجدت في الدول الأفريقية المصدرة للنفط حاجتها مما جعلها تستغل هذا الاحتياج لتوسع تنموي أكثر يخدم مصالحها الاقتصادية أكثر سواء من خلال الدعم المباشر للدول الأفريقية ماليا وبقدرات بشرية تعمل في تلك المشاريع أو من خلال حضور عسكري يحمي مصالحها الاقتصادية تلك خاصة منشآتها النفطية منها. وللصين خطة معلنة معروفة عن رغبتها في إحياء طريق الحرير التجاري القديم ليس فقط عن طريق المعابر المائية بل أيضًا عبر طرق برية جديدة تسهل وصول منتجاتها وثروتها الصناعية للعالم بشكل أسرع، ودول قارة أفريقيا من ضمن خارطة طريق الحرير البرية الجديدة. إن وجود الصين في القارة الأفريقية صار أمر مرحب له من تلك الدول أكثر من الدول الأوربية أو أمريكا لأنه لا يوجد لها تاريخ استعماري فيها وصورتها الذهنية لدى الشعوب الأفريقية أفضل عن تلك التي يحملونها عن المستعمر الأوروبي مثلا، هذا جعل قبول وجودهم وسرعة تمكينهم من مفاصل اقتصادية وتنموية في تلك البلاد سريعا ومؤثرًا ومفهومًا أن يطلق عليها البعض اليوم مجازًا أفريقيا الصفراء. ويكفي أن تعلم أن أول من ساعد دولة كالسودان مثلًا في تصدير نفطها لأول مرة عام 1999 مع دول شرق آسيوية أخرى كانت الصين وما زالت أكثر المستفيدين والمؤثرين في الاقتصاد السوداني.

خلال الأسبوع الماضي كان للقارة الأفريقية حدثان مهمان في باريس؛ الأول: ما أسقطته كثير من الدول الداعمة من ديون أو قدمته من دعم مادي مباشر لدولة السودان الشقيق خلال مؤتمر دعم الانتقال الديمقراطي في السودان والذي تعد السعودية من أكبر المبادرين الداعمين بتقديم منحة لتغطية الفجوة التمويلية للسودان لدى الصندوق الدولي بما يقدر بـ 20 مليون دولار. والحدث الثاني الذي يتعلق بقارة أفريقيا في الأسبوع الماضي: كان انعقاد قمة باريس لدعم الاقتصادات الأفريقية والتي كان لولي العهد محمد بن سلمان كلمة مهمة فيها أوضح فيها مقدار الدعم الذي قدمته وستقدمه المملكة للدول الأكثر تضررًا في قارة أفريقيا. ولعل أهم ما ذكره سموه في كلمته اهتمام المملكة بشكل أساسي بمحاربة الإرهاب في القارة الأفريقية، والذي كان أحد أشكاله تقديم ما يقارب 100 مليون يورو لمكافحته.


إن انتشار الإرهاب في القارة السمراء من خلال عدة تنظيمات كنصرة الإسلام، وداعش، وبوكو حرام هي من أكبر أسباب تدهور اقتصاديات تلك الدول التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية وتتسبب بشكل أساس في تأخرها البشري والتنموي والسياسي ونهب مواردها الطبيعية. وتعاون الدول المهتمة والرائدة بمكافحة الإرهاب كالمملكة العربية السعودية مع هذه الدول لمحاربة الجماعات الإرهابية التي تعيد تنظيم نفسها في تلك الدول مهم جدا وفعال في حماية الأمن الإقليمي والدولي خاصة للدول التي تتشارك معها المملكة سواحل البحر الأحمر والتي بدأت بعض الدول بالفعل بامتلاك موانئ عليها مجهزة بتعبئة عسكرية بشرية تحمي مصالحها هناك وتمول عملياتها الإرهابية والتجارية المشبوهة كإيران وتركيا. إن نجاح السيطرة على الحركات الإرهابية في أفريقيا سيكون سببًا رئيسًا لانتزاعها من مخالب الفقر والتأخر والمرض وسيطرة الدول الاستعمارية اقتصاديا أو سياسيا عليها. حينما تتحدث المملكة العربية السعودية على لسان ولي عهدها محمد بن سلمان عن أهمية التركيز على مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة في دول أفريقيا فهي تضع المسار الأمثل لتبدأ تلك القارة تاريخًا جديدًا من حياتها وتنتزع عنها أهم سبب لتأخر وتراخي الدول. فكرة أن تكون أفريقيا السمراء خضراء بسيادة السلام والحرية والعدالة، والخلاص من براثن سيطرة الإرهاب هي ريادة سعودية دائمة تقدمها بإنسانية وتدعمها قبل أي مصالح اقتصادية وسياسية تذكر، وهي نهج ينبغي أن تركز عليه الدول الداعمة الكبرى حتى لا تنهب خيرات تلك البلاد أكثر فسيادة السلام هو المفتاح الأول لأي تنمية واستثمار يراد له أن يكون في أي مكان في العالم.