بدأت بالمشي في رمضان، أردت لهذه العادة أن تتأصل وتزداد عمقا بروحانية الشهر الكريم، ولكي أمعن في الشعور بأنس الشهر تعمدت ترك الممشى الذي اعتدت المشي فيه لصالح الأرصفة المتفرقة حولنا، واستمر الحال بحلول العيد. أثناء المشي اليومي منذ بداية الفكرة كنت أزداد تذمرا وضجرا بل وحزنا بالغا على ما أراه في مكبات النفايات من أطعمة بشتى أشكالها وألوانها.

وأعرف أني لستُ وحدي ممن يهتم لأمر هذا الفيض من النعمة الذي ينتهي به الحال يوميا في الحاويات مع جميع ما يمكن رميه نجسا كان أو طاهرا.. جميعها تفيض عن حاجة الاستخدام في نهاية المطاف.

وأتذكر، منذ بداية الشهر الكريم وقبله، والناس يتهافتون على مراكز التموين الصغرى والكبرى من أجل شراء ما يكفيهم من المأكولات طوال شهر رمضان بل وما يزيد عن حاجتهم، وفي الأعياد تتفاقم المسألة بشكل واضح، فلماذا لا يمكن تغيير بعض العادات للحؤول دون هذا الإسراف المخجل؟!.

بإمكاننا كمستهلكين إعداد خطط للشراء، وخطط لاستهلاك الطعام، وخطط لحفظ الفائض منه كما خططنا مسبقا لتكديس الخزائن بما لا نحتاجه، كأننا مقبلين على حالة حرب!.

وفيما يتناقل البعض عدم قدرتهم على تناول الطعام (البايت)، يتجه العالم إلى أزمة جوع غير مسبوقة، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات بسبب الجوع الناجم عن كورونا سيزيد عن عدد الوفيات بالفيروس. وقد يصل عدد الذين يعانون من نقص التغذية في العالم بحلول 2030 إلى حوالي 909 ملايين إنسان.

وبحسب تقديرات منظمة أوكسفام الخيرية الدولية، فإنه بنهاية عام (2020) سيصل عدد الأشخاص الذين يتوفون نتيجة الجوع المرتبط بتداعيات جائحة كورونا في العالم إلى 12 ألف شخص يومياً، وهو ما يزيد عن عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالفيروس.

وفيما حذر برنامج الأغذية العالمي من أن المجاعة قد تتسبب في «كارثة إنسانية عالمية» نبقى - متجاهلين ما يحدث- مستمرين في الإسراف، حيث يقدر إجمالي الهدر للأغذية الصالحة للأكل بـ 1.3 مليار طن في عام 2020 !!.

ومع هذا نحتاج إلى وقفة جادة من الجميع للحد من هذا الهدر الغذائي، والذي يمكن الاستفادة من فائضه بعدة طرق: إما بإعادة تدويره وجعله مواد يمكن أن تستفيد منها الحيوانات، وأذكر في ذلك تجربة تركيا في صنع ما يشبه الثلاجات تعمل على تدوير الطعام بطريقة سريعة وتقديمها للحيوانات المارة.

أو بالاستفادة منه كسماد زراعي بخلق جسور من مصالح مع أصحاب المزارع، أو من الأساس إنشاء مؤسسات شغلها الشاغل العمل على وضع خطط إستراتيجية مركزة ومدروسة لتوجيه المستهلكين إلى الحفظ لا الإسراف، وإمدادهم بكل ما يلزم لذلك من ثلاجات عامة، وغيرها أو حتى تخويلها لتسجيل مخالفات وتوقيع غرامات في سبيل إنجاح هذه المهمة على أكمل وجه ممكن.

لا نريد أن يُساء الأدب مع النعمة، نريد مجتمعا واعيا متكاتفا حكومة وشعبا، يستطيع بما أوتي من قدرة الحفاظ عليها قبل أن تطرأ تغيرات لا تحمد عقباها جراء هذا (البطر) المستمر.