ننسى الوجوه جميعها
ويظل وجه واحد بين الضلوع نراه في كل الوجوه!».
هذه الأبيات التي جعل عنوانها الكاتب المبدع الصديق عبدالله جفري «آخر الكلام» أقتبسها أنا لأجعلها «أول الكلام»!. الحب جميل وسواء أكان من أول نظرة أو من نظرتين أو ثلاث أو أكثر، فهو يؤثر في النفس ويسمو بها ويغير حالة الجسد ونبضات القلب، ويتحكم في تصرفات المحب سلوكا وملبسا وحديثا، سعادة الوصال لا أحلى منها !. بل حتى الهجران لا يخلو من لذة حيث تطير الأمنيات على أجنحة الخيال فيشعر الإنسان بالسعادة – وإن كانت وهمية – ويتخيل موعدا مع حبيبته ماذا يلبس؟ كيف يتحدث؟ ما الكلمات اللائقة للقاء؟ بل ربما ما الكلمات أو الأبيات التي ينتقيها من شعر شكسبير ومجنون ليلى أو غيرهما من الشعراء العشاق، ويمني نفسه بلمسة يدها ونرجس عينيها وكريز شفتيها وحمرة وجنتيها، وربما مرن لسانه على أداء ملحن لأبيات الأخطل الصغير:
قتل الورد نفسه حسدا منك *** وألقى دماه في وجنتك
والفراشات ملت الزهر لما *** حدثتها الأنسام على شفتيك
حتى يلقيها على مسامعها أملا في أن تستجيب مشاعرها لمشاعره! ويمضي في وصف عنقها وصدرها وثدييها حقا عسجد للكاعب ولغيرها أرنبان نافران مشرئبان ! وربما وقر في ذهن واحد أني قليل الحياء وردي عليه كأنك يا صاحبي لم تقرأ قصيدة كعب بن زهير التي أنشدها أمام نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم ومنها هذا البيت:
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة *** لا يشتكي قصر منها ولا طول
بل إن القرآن الكريم قد روى قصة امرأة العزيز وغرامها بسيدنا يوسف «قد شغفها حبا» أي مس منها الشغاف (بفتح الشين) وهو سويداء القلب فلا فكاك منه أبدا وتعرفون قصة القميص الذي قُدَّ من دُبُرٍ فكان ذلك دليل صدقه وكذبها.. وقد يبلغ الحب مرتبة من الاستئثار والغيرة لا تُضاهي، كما قالت الشاعرة الأندلسية الملحقة «حفصة بن الحاج الركونية»
أغــار عليــك من عيني وقلبي *** ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني جعلتك في عيوني *** إلى يوم القيام ما كفاني
قد جربت البشرية خدر الحب اللذيذ وهذا التجاذب بين الذكر والأنثى هو تجاذب قلبين وامتزاج روحين.. والذي لا يحب من الجنسين إنسان غير سوي أيها السادة أتعرفون لماذا؟ لأن ذلك التجاوب مركوز في صميم الفطرة البشرية. وهذا التجاوب «أحبولة الطبيعة» صنعها الله جل جلاله ليعمر بها هذه الأرض بالنسل البشري.
الآن ونحن على مشارف الألف الثالثة من الميلاد يبلغ سكان المعمورة 6 مليارات زائدا فناقصا كل ذلك من اثنين: آدم وحواء أيها السادة: أترون أني خرجت عن الموضوع؟
أنا شخصيا أعتقد أني في صميم الموضوع أتساءل ما تهامة؟ وأجيب – ببساطة – تهامة هي الحب هي ذلك الحب الكبير الذي انبثق في قلب شاب صغير منذ ربع قرن اسمه محمد سعيد طيب ! في كل الوجوه لا يرى إلا وجها واحدا استقر بين حناياه.. هو وجهها وجه حبيبته حبها أصبح شغفا.. ولو استطاع لوضعها – مثل حفصة الركونية – في عيونه إلى يوم القيامة ! أحبها فكرة حتى إذا تجسدت بين يديه طفلة صغيرة ظل اهتمامه بها ينمو وحبه له يكبر ويتطور حتى إذا أصبحت فتاة جميلة – مرشحة لأن تكون ملكة جمال لا تزهو بجمالها وإنما بثقافتها الرفيعة! أيها السادة حيوا معي تهامة الثقافية! وبهذه المناسبة أقترح وأود أن أسمع صدى اقتراحي من المستحقين المستنيرين ومن القراء الواعين أن يتولى اثنان من المثقفين المحبين لتهامة من أساتذة لجامعات أو من غيرهم أو واحد من هؤلاء وواحد من أولئك دراسة نتاج «تهامة الثقافي» الخصيب المتنوع دراسة تقويم ونقد في كل فرع ومدى تأثيره على الثقافة بعامة والأدب بخاصة في بلادنا الحبيبة.
مازلت أتحدث عن الحب.
ما الصداقة في رأيي إلا حب متزن بعيد عن الغايات النفعية، وإيثار صادق بين الصديقين مبني على الصدق والإخلاص المجردين.
أيتها الزوجة، وأيها الزوج اللذين كان زواجكما عن حب، اجعلا الصداقة إكسير حياتكما، فستشعران بأنكما أكثر سعادة وأكثر حبا !.
أما عن علاقة الصداقة بيني وبين الشيماء، فستحتاج إلى حديث طويل. وحسبي هنا أن أقول: ما أسعده من كان محمد سعيد طيب صديقه!.
1999*
* أديب وناقد سعودي «1920 2011-».