حين تسير المجتمعات على طريق الازدهار والنهضة فإنها تواجه الكثير من التحديات، فطريق التقدم ليس سهلا ومعبدا، وأصعب ما يواجه أي مجتمع في عملية التقدم هو السلوكيات الخاطئة، التي دائما ما تكون محصورة في فئة قليلة ولكنها مؤثرة، لأن عملية الهدم أسهل بكثير من البناء.

أصبحت جازان تجني ثمار سنين من خطط النهضة والتطوير التي بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن. وظهرت ملامح التحسين على مختلف الأصعدة سواء في المشاريع الاقتصادية الضخمة، كمشروع المدينة الاقتصادية أو شق الطرق والكباري في جميع المحافظات والقرى والهجر، أو افتتاح المستشفيات والمراكز الصحية، والتوسع في افتتاح المئات من المدارس الحكومية على الطراز الحديث، بالإضافة إلى صرح علمي كبير يتمثل في جامعة جازان، كذلك التوسع في المنتجعات السياحية والحدائق العامة، بالإضافة إلى الاهتمام والترويج للجانب السياحي. ثم كان الاهتمام بوضع بصمات تعكس الموارد الطبيعية لهذه المنطقة، فكانت المانجو والبن والعسل. ولا زالت خطط التنمية مستمرة لا تتوقف.

وحتى تكون الاستفادة كاملة من جميع خطط التنمية هذه، لا بد أن يواكبها تغيير إيجابي في الممارسات السلوكية للمستفيدين من تلك المشاريع والخطط. وعلينا أن نعلم أن جميع ما تم إنجازه في منطقة جازان خاصة، وبقية مناطق المملكة عامة هو للمواطن، أولا وأخيرا، وأننا المستفيد الأول من هذه النهضة التنموية، وأن الهدف الأساسي هو توفير الحياة الكريمة للمجتمع، ولذلك يجب المحافظة عليها والدفاع عنها من أي تشويه أو أضرار بها.


الأمثلة للأفعال والممارسات الخاطئة كثيرة، وهناك مخالفات يومية ترصد للعبث بتلك الممتلكات العامة. فهناك إلقاء المخلفات وأعمال البناء والهدم والحفر، دون تنسيق أو موافقة الجهات المعنية، وهناك مطبات عشوائية تنتشر في معظم الشوارع لمصالح شخصية، وبطرق بدائية، وهناك إتلاف لدورات المياه بالحدائق والمنتجعات، ومؤسف جدا أنه وإلى هذه اللحظة تجد مبنى بملايين الريالات، وقد شوهته يد عابثة بالكتابة على جدرانه. ورغم أن القوانين تضع العقوبات اللازمة لمثل هذه التجاوزات والمخالفات بهدف تحقيق الردع والحفاظ على المال العام، إلا أن الالتزام الإنساني والضمير الوطني والجانب الأخلاقي لدى الفرد يجب أن يكون أكثر ردعا لتلك المخالفات، وأعظم أثرا في الحفاظ على المال العام.

تتكبد الدولة مليارات الريالات من أجل مشاريع البنى التحتية والمشاريع التطويرية، وحظيت منطقة جازان أسوة ببقية المناطق بحصتها من تلك المشاريع، ويجب ألا تكون المصالح الشخصية أو المكاسب الفردية حاجزا ومانعا للاهتمام وتقديم المنفعة العامة.

حركة التطوير والتقدم التي وصلت إليها منطقة جازان يجب أن يقابلها اهتمام وتقدير من أفراد المجتمع، لا سيما تلك الفئة التي لا زالت تمارس تصرفات خاطئة غير مسؤولة، ومن ثم تصدح بالنقد وعدم الرضا عند وجود ملاحظات أو أخطاء. في كل مجتمع فاعل من يقود عملية النهضة هو الفرد الواعي، والذي يقدم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، ويرى مشاريع الوطن خطاً أحمر يجب الحفاظ عليه.

وأخيرا لا زالت الدولة -حفظها الله- مستمرة في دعم منطقة جازان بكل سبل التطوير من أجل رفاهية المواطن، وفي المقابل يجب علينا أن نعمل على تصحيح سلوكياتنا وتهذيب أفعالنا.