رحب جميع العقلاء بالمصالحة الخليجية، واعتبروها حدثًا فريدًا من نوعه، وظلت بعض العقول والأفكار التي أعماها الحقد، وعصف بها الحسد في دائرة التشكيك في هذا القرار التاريخي.

ولأن من أهم ما يهدد المجتمعات الآمنة هو عدم الاهتمام بالأمور الكبيرة، وتعظيم الأمور الصغيرة والاندماج فيها في محاولة لجعلها تعكس حالة الوضع السائد بالمجتمع، يحاول البعض استهداف العقول من خلال التركيز على الأمور السلبية، لا سيما والعقل لا يستطيع التفسير أو الخوض في مسائل لا يملك عنها معلومات كافية، فيقتصر على الاعتماد على تلك المعلومات التي تعرض عليه، وتحاول الانحراف به بعيدًا عن المشهد الكبير، وعلينا أن نؤمن أن العقل البشري مالم يكن محصنًا فلا شيء يمنعه من التورط في قبول إيحاءات الخراب.

وبما أن العقل الخليجي بشكل عام وقيم ومبادئ المجتمع الخليجي بشكل خاص تتقبل الأخبار والمعلومات ما دامت تقع ضمن نطاق المعقول، ولا تتجاوز أطر القيم والمبادئ، ولكنها في المقابل ترفض كل تجاوز للمعقول، وكل تعارض مع أصالة المجتمع وقيمه.


وفي ظل التحديات الراهنة فعلى المجتمع الخليجي أن يحصن العقل أمام محاولات التشكيك في قرارت القادة، والتي تهدف دائمًا إلى مصلحة المجتمعات الخليجية ورفاهية مواطنيها.

البعض قد تغيظهم المصالحة، ويبدأون في نبش الماضي، وإثارة النعرات والتذكير بما كان من أحداث فرضتها فترة الخلاف الخليجي، ولكن المصالحة كانت انتصارًا للبيت الخليجي وتجاوزًا لوضع استثنائي، وشرخ أصابه في مرحلة تاريخية، ولأسباب كان من الصعب تجاوزها في ذلك الوقت. إن جميع الخليجيين هم في خندق واحد لمواجهة الأخطار والأطماع المحدقة بهم، وأمام هذه التحديات لا بد من تجاوز الخلافات مهما كان حجمها.

إن تلك الخلافات كانت قد فتحت شهية المتربصين بالخليج من أجل إيجاد جسر عبور لإيران وغيرها إلى الشواطئ الخليجية، ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إن المصالحة الخليجية قد تكون نبراسًا لوأد جميع الخلافات العربية والاهتمام بمصالح الأمة، ونأمل أن تكون هذه المصالحة هي بداية لإعادة تصويب السياسات العربية نحو الاهتمام بمصالحها القومية والتركيز على مستقبل آمن ومستقر.

عناق العلا رسالة لا تحمل في طياتها طي خلاف بين دولتين متجاورتين، وإنما هو عناق لمواجهة عواصف الموت والدمار، ومحاولات فرض الهيمنة الإيرانية، إن الخلاف الخليجي تم حله بطريقة كرم حاتم وحلم الأحنف وذكاء إياس، وهي طرق لا يجيدها إلا أبناء الخليج، ولن يفهمها الغرباء.

وعلينا أن نؤكد أن التسامح مع المخالفين والأعداء في قضايا الخصوصية الثقافية والبنية المجتمعية للخليج هو أمر غير مقبول، ويجب عدم المساومة أو التنازل في مصالح الخليج، وللأسف فإن البعض لم يدرك الخط الرفيع لمثل هذه الأمور، فدفعته عتامة الرؤية إلى تجاوز واقع الالتزام والمبادئ للخليج ليصور لنا أفكاره وكأنها هي من يجب أن تطغى على مجتمعاتنا وتقودنا، وهؤلاء المتوحدون عن ثقافتنا، وبما لديهم من ضحالة فكرية يجب ألا يجعلوننا ننسى أن المجتمع الخليجي يعيش ثراء فكريًا ونقاء نقديًا يسمح لهم بالاختلاف، ولكن لا يجعلهم يتقبلون الانحراف عن الصواب.