في البداية أصحاب العقول المنفتحة لا يتمسكون بطرق تفكيرهم القديمة، لأنهم يعرفون أن الحقيقة لا تزيل اللثام عن وجهها إلا على سبيل التدرج، ويعلمون أن الفضلاء قد يتخلون عن الكثير من الأفكار التي كانت تسيطر عليهم في يوم ما، لأنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن صحة تلك الأفكار ليست سوى مسألة نسبية، وهم يعلمون أيضا أن عليهم التكيف مع الأفكار والأحداث الجديدة، معتمدين على تلك الخبرة والتعلم من الدروس السابقة، وهؤلاء هم من يحكمون وينفذون إلى الواقع من خلال معرفة المعطيات الجديدة، وعدم الاستسلام للتيارات القديمة والأعراف السائدة.

مع فوز الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، بدأ الكثير يتحدث عن مستقبل جماعة الإخوان الذين كانوا يحظون بدعم من الرئيس أوباما وهيلاري كلينتون، وكانوا «الورقة الرابحة» التي استخدموها فى إثارة الفوضى الخلاقة إبان «الخريف العربي»، واللعب على أوتار الطائفية والإرهاب، وسلخ الشعوب من الولاء لأوطانهم وحكوماتهم، والارتماء في أحضان مستقبل مجهول. ليس ذلك فحسب بل أيضا صناعة تقارب كبير بين المشروع الإخواني والمشروع الإيراني الاستعماري، وتحفيز الأحزاب الإرهابية، وإطلاق العنان لها لممارسة التخريب وتدمير الشعوب.

لعل من أبرز الملفات التي ستواجه الرئيس المنتخب حاليا هي سياساته تجاه الإخوان، ولا سيما مع مناقشة لجنة الأمن القومي بالكونجرس الأمريكي، في يوليو الماضي، خطورة الفكر الإخواني، وبحث إمكان تصنيف الجماعة منظمة إرهابية. ومن الملاحظ أنه، ومنذ 2017 ومع تقنين وحصار الفكر والنشاط الإخواني، أصبح العالم أكثر أمانا، فالعمليات الإرهابية قلت كثيرا، ولم نعد نسمع كثيرا بـ«داعش» وغيرها من الجماعات الإرهابية، وضعف النفوذ الإيراني، وانشغل بداخله المتهالك، واختفت أصوات الأحزاب الإرهابية والجماعات المسلحة، وتلاشت نبرات التحريض والعنف، واختفت خطب الولاء والبراء، بل إنه منذ ذلك العام اهتمت الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، بإصلاح الاقتصاد والتنمية، ومواجهة التحديات التي تواجه المجتمعات. وعلى الرغم من ظروف الجائحة، التي تسببت في ضرر عظيم اجتاح العالم بأكمله، فلنا أن نتخيل كيف سيكون أثر هذه الجائحة في ظل وجود الإرهاب والخراب والتفكك وإطلاق اليد لتلك الجماعات الإرهابية؟!.


قد لا يختلف الكثير على أن أعضاء الحزب الديمقراطي كانوا وما زالوا يقفون عائقا أمام المشاريع التي تهدف إلى اتخاذ إجراءات ضد المشروع الإخواني، ولهذا، ومن خلال فوز مرشحهم، فهم سيسعون إلى عرقلة المساعي لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية، ويجب ألا ننسى أن الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، كانا يؤمنان أن جماعة الإخوان هي «الورقة الرابحة» التي ستقود المنطقة العربية للخضوع التام للنفوذ الأمريكي، ولكن جاء سقوط المشروع الإخواني على يد السعودية ومصر ضربة موجعة وقاضية لتلك المخططات.

ولهذا، وبغض النظر عن توجهات الرئيس الجديد التي لن تحدث تغييرا كبيرا، فالمواجهة سابقا كانت بين الإخوان والحكومات العربية التي استشعرت خطرهم مبكرا، أما حاليا فهي بين الإخوان والشعوب والمجتمعات العربية التي عرفت حقيقتهم، وكشفت خطورتهم، وتبينت خيانتهم واعتزلتهم، وآمنت بأنهم الخطر الحقيقي الذي يهدد أمنهم واستقرارهم، ويقف حجر عثرة أمام مستقبل آمن لأبنائهم وأحلامهم.