ويحلو لي الآن أن أصرف حديثي إلى القارئ -مترفقاً على صبره- فأقول:

إن الناس يتعلمون الرقص قبل أن يقوموا به علانية في المجتمعات. ويحذقون قيادة السيارات قبل أن يقتحموا بها الشوارع. أو أن هذا هو المفروض والواجب؛ فإذا خرج راقص في حفل عن مساوقة الموسيقى والإيقاع وداس في كل دورة من دوراته مرة أو مرتين على قدم من يزاوله؛ كان لا يصلح أن يرقص على أعين الناس وأسماعهم؛ لأن الرقص عرض سليم واتساق وجمال وترابط وانسجام وقدرة على التصرف وتعبير وقواعد.. أو.. لأنه أسلوب!

وإذا اضطربت عجلة القيادة بين يدي قائد السيارة؛ فتأرجحت أو جنحت، أو كان لا يتاح لها التماسك والربط عند وجوب أحدهما أو كليهما، أو كانت لا تنساب وتتدفق وتلف وتتحول في إحكام وسلامة واتزان يدل كل منهما على صحة التقدير وقوة السيطرة؛ كان سائقها جاهلاً بخصوصيات القيادة كفن أو كصناعة أو كعمل.. ولو اقتنى مصنع سيارات، لأن قيادتها فطنة، ولمح وإدراك وحذق وحسن تقدير.. وصناعة.. أو.. لأنها أسلوب.. فالأمر على هذا القياس بالنسبة للشعر والشعراء.. ولو كان حجازياً.. ولو كانوا حجازيين!!


إنه أمر مهول.

للقارئ وحده أن يخوض المعركة

وما على القارئ الآن -وهذا هو الحق لا غيره- إلا أن يخوض المعركة وحده فيسأل نفسه، أو يسأل سواه -وله الخيرة- ما هو نصيب كل شاعر -في هذه المجموعة- من قصة الأسلوب والديباجة هذه، إشراقاً وقوة ومتانة تركيب!؟ وما هي قدرته على التصرف وفطنته وحذقه في الصياغة والتركيب والتعبير والاتساق وسلامة الحركة ورشاقتها.. وتجنب وطء الأقدام أثناء الرقص!؟ وما هو حقه في ادعاء الشاعرية، واكتساب رسمها؟ أو حقه في أن يرفع عقيرته بين الناس بالشعر!؟

فإذا عرف القارئ شيئاً -وسيعرف- فقد تهيأت له أسباب الحكم والتحديد، واستعان بخير الطرق، وأقلها مشقة على التقصي والكشف عن مزية كل شاعر، وطابعه، وخصوصياته، وشخصيته، وقدرته.. وقد وقع على الجمال الذي يجتمع له إلى جانب حسن الشارة والميسم في ظاهره؛ جمال المعنى، وفتنة الدعوة والتأثير في ما تحت هذا الظاهر المجلو. أو وقع على القبح الشنيع؛ يزيده شناعة أنه شعر من صناعة شاعر بين شعراء.