في كتاب حول الرشاقة الاستراتيجية Strategic Agility: The Art of Piloting Initiatives تقول الكاتبة بتينا بوشل - أستاذة في الاستراتيجية - إن تحقيق الانتصارات السريعة في هذا العالم المتغير يتطلب استراتيجيات أكثر رشاقة من تلك التي اعتدنا عليها. وتضيف في هذه البيئة المتقلبة وغير المستقرة، فإن تنفيذ الاستراتيجية يتمحور حول سرعة التعلم واتخاذ القرارات المناسبة لتخصيص الموارد. وبما أن بعض المؤسسات والوزارات في الوقت الراهن تعيش بسبب فيروس كوفيد19 تغيرات ديناميكية وإعادة هيكلة وترتيب أولوياتها لتواكب التغيرات وتواجه الأزمات، وتخلق الفرص وتستثمر المواقف والأحداث لتصنع نماذج عمل تعبر بها هذه الأمواج العاتية التي تسببت في ركودها أو تعثرها أو حتى انتكاساتها، لأن بعض هذه المؤسسات لم تستطع التعامل مع هذه الأزمة بسبب اتباعها استراتيجية تقليدية غير مرنة وغير مستوعبة للأحداث والمتغيرات التي طرأت أو ممكن أن تطرأ في أي لحظة، وتسبب إرباكا له تبعات تنظيمية غير متوقعة، لكن هناك مفهوما يطلق عليه اسم الرشاقة الاستراتيجية، وهو مفهوم لابد أن تمارسه أي مؤسسة أو كيان، يريد أن يستوعب الصدمات المفاجئة أو غير المتوقعة، لأنها اعتمدت على التجارب ذات النتائج الملموسة. هذه الاستراتيجية ليس بالضرورة أن تكون هي العلاج السحري للتحديات لكن هي النموذج الأمثل للقدرة على التفكير ضمن الإطار المنطقي، والخروج من رحم الأزمات والتحديات.

يقول بيل جيتس «يتطلب النجاح اليوم الرشاقة والدافع لإعادة التفكير باستمرار، وإعادة التنشيط، والتفاعل، وإعادة الابتكار»، حيث يقصد بيل جيتس هنا استخدام مفهوم الرشاقة الاستراتيجية كممارسة، وعملية تكييف التوجه الاستراتيجي للمؤسسة استجابة للظروف البيئية المتغيرة، بهدف الحفاظ على القدرة التنافسية، والمؤسسة الرشيقة Agile Organization هي التي تتمكن من تعظيم نقاط قوتها بشكل مستمر، وتُوَسّع من خياراتها لتقديم الخدمة الملائمة في الوقت المناسب، فهي عملية ديناميكية لإعادة تشكيل الاستراتيجية في البيئة المتغيرة، أو التي قد تتغير بناء على الاستشراف لما قد يحدث، لذا نجد هنا أن الحديث عن الرشاقة لا يمكن أن يكون بمعزل عن الكفاءة العالية في الإنجاز، وتهيئة بيئة الإبداع والابتكار، فالرشاقة هي مفتاح النجاح في ظل بيئة أعمال غير مستقرة، وأسلوب عملي ذو فاعلية عالية في وقت الأزمات فهي ليست من أشكال الترفيه واللمسات الفنية والترف الإداري التي توفرها بعض المؤسسات والهيئات لموظفيها، وإنما أسلوب علمي قائم على الأدلة والبراهين والتجارب، وهذا الأسلوب له محددات ضرورية من شأنها تحقيق النتائج المرغوبة، هي أولاً: الحساسية الاستراتيجية ويعني ذلك قدرة المؤسسة على فهم إدراك التغيرات البيئية المختلفة، وبناء رؤية للمستقبل كاستجابة للتغير البيئي المستمر، وقد تتشكل هذه الحساسية في ثلاث قدرات أساسية الحوار الداخلي بين كافة الأطراف - وعمليات استراتيجية مفتوحة - واليقظة الاستراتيجية العالية، وهذا ما تفتقده كثير من المؤسسات والمنظمات للأسف، فجميع الأعمال التي تقوم بها هي ردة فعل قد تكون صائبة، وفي أغلب الأحيان تكون خاطئة.

ثانياً: الشراكة في المسؤولية والالتزام الجماعي بالمسؤولية كقيمة تسهم بالنضوج الإداري.


ثالثاً: وضوح الرؤية وتوفير القدرات الأساسية، فهذ الأمر يحقق السرعة والاستقرار المطلوبين لرشاقة الاستراتيجية.

رابعاً: اختيار الأهداف الاستراتيجية، فهي النتائج التي تسعى المنظمات والمؤسسات لتحقيقها، ويساعد أي مؤسسة على تعديل وتعزيز أو تطوير قدراتها الأساسية لتتوافق مع الفرص المتاحة.

خامساً: تنفيذ الأعمال والأنشطة، وهو عنصر يعتمد على التنسيق بين جميع وحدات العمل المختلفة بما يضمن الاستجابة السريعة والتغطية الشاملة.

سادساً: هو الجانب التكنولوجي والمقصود به الأدوات الضرورية في تحسين قدرة المؤسسات والهيئات، وامتلاكها مقومات الرشاقة الاستراتيجية بوصفها استجابة مناسبة للتغير الذي تشهده المؤسسات في إطار بيئة مضطربة شديدة التغيير.

جميع هذه المحددات عندما تكون حاضرة وممارسة في عقلية صانع القرار وقت الأزمات، الذي يستطيع أن يتجنب كثيرا من التحديات التي قد تواجهه عند حدوث أي أزمة.