أتساءل هل يمكن في مثل هذه المرحلة الزمنية التي نعيشها أن تكون هناك فضيلة أو أن تقوم أخلاق وضعية بحكم سلوك البشر وتوجه سير وحركة الحياة دون الحاجة إلى الاهتداء والاسترشاد بالمبادئ والقواعد والأحكام الدينية والخضوع لتعاليم مختلف العقائد والأديان التي يؤمن بها كافة البشر على تباين ألوانهم وجنسياتهم وأوطانهم؟

أثارني هذا التساؤل من فترة كما آثار كثيرين، وحتى ذلك الوقت أثار استنكارا واسعا قوبل به في كثير من المجتمعات، وكانت وجهة نظر كثير من العلماء ما ينتج عن هذه الفرضية المقلقة من أخطار تهدد أمن وسلامة المجتمعات والبشرية نتيجة الانصراف عن الدين كمصدر للفضائل والأخلاق، فمثلا كثير من الناس ينظرون للمجتمع الغربي بأنه يعيش مرحلة ما بعد المسيحية حيث لا يرتبط معظم الناس بأي عقيدة دينية سماوية استنادا إلى أن كل الأديان تعاني من التراجع باستثناء الإسلام الذي يشهد تمددا وانتشارا خارج الحدود الجغرافية التي ارتبط بها في الجزيرة العربية مهبط وحيه ورسالته.

أيضا على الجانب الآخر، هناك من ينكر أن الدين بالمعنى الواسع للكلمة الذي يشمل كل المعتقدات بما فيها العقائد غير السماوية يعاني من حالة الانصراف عنه بدرجة تهدد وجوده، وفي نفس الوقت هناك من يلاحظ بوجه عام أنه في الوقت الذي تسود فيه النزعات الوضعية في مجتمعات الغرب العلمانية، فإن الدين كمفهوم وإحساس ومشاعر لا يزال قائما في وجه كل التحديات.


وكثير من المفكرين المعاصرين يرون أن الدين لا يمر بمرحلة تراجع أو انكماش يهدد وجوده، وإنما التهديد الفعلي للعلمانية التي لا تلبي حاجات الناس الطبيعية مثلما يفعل الدين.

كذلك يلاحظ أن التيارات الدينية تستحوذ الآن بطريقة متزايدة على أنظمة الحكم في كثير من دول العالم، لذا يرى كثيرون في الدين مصدرا للسلوك والأخلاق يساعد كثيرا على تماسك المجتمع، وترجع تلك النزعة إلى العودة إلى الدين إلى الشعور بالحاجة الملحة إلى الارتباط والانتماء لشيء أكبر وأكثر مع الواقع المحسوس المتغير بكل تقلباته ومفاجآته غير المحسوبة التي لا يشعر الإنسان تجاهها بالأمان والاستقرار.

وأستطيع أن أقول إن جينات الدين لدى الجنس البشري متواجدة منذ بداية الخلق، وعليه فالإنسان متدين بالفطرة، وهذه خاصية لازمته خلال مراحل تاريخه الطويل، إذ كان الدين دائما أداة للتماسك الاجتماعي، وعليه من الخطأ الاعتقاد أو القول إن الدين يتراجع، علاوة على أنه يعطي معنى حقيقيا ومغزى للحياة والوجود، فهو شيء غريزي في البشر يسوق الجميع رغم اختلاف ألسنتهم وألوانهم إلى الحق والعدل والجمال تحت مظلة المساواة دون تمييز أو تفرقة للعيش بأمن ومودة وسلام.