عبرت «الحناء» رحلة طويلة بدأت منذ 9 آلاف سنة، حيث استخدمها الفراعنة في طلاء أيدي المومياء قبل دفنها، معتقدين أنها تحفظها من الشر، لتتحول اليوم، وبعد هذه الرحلة الطويلة إلى فن قائم بذاته، له جمالياته وتشكيلاته التي لم تعد تقتصر فقط على الأيدي والأقدام وحدها، بل باتت تصل إلى الجسد كله. و«الحناء» نبتة عطرية مميزة، تنتمي إلى الفصيلة الخثرية التي تتبع رتبة الآسيّات، وهي شجيرة تعمر من 3 إلى 10 سنوات، مستديمة الخضرة، قد يصل طولها إلى 3 أمتار. وللحناء ساق كثيرة الفروع، وأفرعه الجانبية خضراء اللون تتحول إلى البني عند النضج، وأوراقه بسيطة جلدية بيضاوية الشكل بطول 3 إلى 4 سم، وأزهاره صغيرة بيضاء لها رائحة عطرية قوية ومميزة.
وتحتاج الحناء إلى بيئة حارة لذا تنتشر في جنوب غربي آسيا، وتنمو بكثافة في البيئات الاستوائية لقارة إفريقيا، كما انتشرت زراعتها في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، وأهم البلدان المنتجة لها المغرب ومصر والسودان والصين والهند.
حناء اليد
إضافة لاستخدام الفراعنة للحناء، في اعتقاد أنها تحفظ المومياء، استخدمتها الملكة كليوباترا كنقش على جسمها لتتزين بها. وانتقلت الحناء لاحقا إلى الهند بواسطة المغول، وبدأت تحديدا في المناطق الشمالية، وذلك في القرن الثاني عشر الميلادي، ومن ثم حققت انتشارا واسعا لدى النساء تحديدا، بعد أن استخدمت كنقش تاريخي تراثي، كما ذُكر في الحكايات الشعبية والميثولوجيا. وتميزت الحناء بخصوصيتها لدى كثير من الشعوب الإسلامية، حيث استعملت في التجميل، وخضّبت بمعجونها الأيدي والأقدام والشعر، واقترنت دائما بمواسم الفرح والبهجة.
الحناء في الإسلام
يقول الداعية، المستشار الشرعي الشيخ متعب بن علي الأسمري لـ«الوطن»، إنه «حين أتى الإسلام لم يمنع استخدام الحناء كزينة للنساء، بل إنه حث المرأة على التزّين لزوجها، وكانت الحناء رمزا أساسيا لإظهار الزينة في يدي المرأة ورجليها، بل كانت علامة تميز يد المرأة عن الرجل». وأضاف «عن عائشة -رضي الله عنها- أن هندا بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني، قال: لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنهما كفا سبع». رواه أبوداود وحسنه الألباني. وتابع «وفي رواية أخرى لعائشة -رضي الله عنها- أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه، ولم تكن مختضبة، فلم يبايعها حتى اختضبت». رواه أبوداود وقال الألباني حسن. وأكمل «كما أن الإسلام حث على استخدام الحناء والكتم للرجال لتغيير بياض الشعر، فقد ورد عن أبي ذر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحسن ما غيرتم به الشيب، الحناء والكتم»، رواه أصحاب السنن والترمذي وقال حديث صحيح. والكتم نبات يزرع في اليمن ويصبغ الشعر بلون أسود إلى الحمرة. وعن سلمى أم رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما شكا إليه أحد وجعاً في رأسه إلا قال احتجم، ولا شكا إليه وجعاً في رجليه إلا قال اختضبهما» (أي بالحناء) رواه البخاري في تاريخه وابن ماجة وأبوداود.
استخدام الحناء
أضاف الأسمري أن في الإسلام أحكاما عدة لاستخدام الحناء، وذلك كما في الحالات الآتية:
للنساء للزينة، لكونه من الخضاب الذي يظهر زينة المرأة لزوجها، ولا بأس باستخدامه بأي طريقة كانت، سواء بملصقات تجميلية أو بدونها.
كما أن الحناء لا تعد عازلا للبشرة عند الوضوء والغُسل بخلاف طلاء الأظافر المسمى بـ«المناكير» فهي عازلة، ويجب إزالتها عند الوضوء.
- استحباب خضب الشيب بالحناء والكتم لتغييره، سواء عند الرجال أو النساء.
- جواز استخدام الحناء للرجال والنساء للعلاج بخضب اليدين أو الرجلين أو المكان المصاب بقرحة أو جرح إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهي نوع من العلاج المخفف للآلام سابقا، أما في زماننا هذا فقد استغنى الناس عنها بما توصل إليه الطب الحديث.
- عدم جواز استخدام الحناء للرجال إذا كان من باب الزينة، بل يحرم ذلك لكونه من التشبه بالنساء، ولأن رسول الله ﷺ لعن المتشبهين من الرجال بالنساء.
- لا يجوز للمرأة المُحدة (التي مات عنها زوجها) استخدام الزينة خلال فترة الحِداد، ومن ذلك الحناء، حتى تنتهي عدتها، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل) رواه أبوداود وأحمد.
خرافات ومعتقدات
أضاف الأسمري أن هناك بعض المعتقدات الخاطئة والخرافات التي تتعلق بالحناء، والتي انتشرت في عدد من المجتمعات العربية، ومنها:
- اعتقاد البعض أن نقش الحناء على جسد العروس، أو وضعها على كفوف وأرجل العريس عادة تحميهم وتقيهم شر الحسد في حياتهم الجديدة سويا.
وهذه الخرافة غير صحيحة البتة، فلا يحمي من العين والحسد إلا الله تعالى، وذلك بالتحصن بالأوراد الشرعية.
- في بعض المجتمعات في شمال إفريقيا، هناك الخرافات تقول «إن الرجل الذي يحمل في جيبه أوراق حناء يقضي أياما سعيدة».
وهذا غير صحيح، فالسعادة لا علاقة لها بورق الحناء ولا ورق الملوخية، وقد ترتبط السعادة غالبا بورق النقود.
ـ من الخرافات أيضا عن الحناء ليلة القدر: تضع بعض النساء أيديهن كاملة في الحناء ويقُمن بطبعها على الباب، ليلة القدر، وتعتقد النسوة أن ما يقمن به هو ردع لدخول الشياطين المصفدة.
وهذا العمل من تلبيس إبليس، ولم يرد ذلك في الشرع، بل هو من الخرافات المبتدعة.
عادات
انتشرت بعض العادات في بعض المجتمعات العربية، رابطة بين الحناء والأعراس، خصوصا أن الحناء تستخدم غالبا للأفراح والزينة، حيث تعرف بعض هذه المجتمعات «ليلة الحناء»، أو «سهرة الحناء»، وقد بدأت هذه العادة تتلاشى لدى تلك المجتمعات.
رسومات ودلالات
قالت الباحثة الاجتماعية جميلة الأحمري، إن هناك رسوما خاصة للحناء تستخدم حسب المواسم المختلفة، وحسب تقاليد المجتمعات، فكثيرون يستخدمونها بالأفراح والأعراس، وآخرون في يوم الميلاد للمباركة بالمولود، والبعض في حفلات الخطوبة أو الحفلات الخاصة. أما بالنسبة للدلالات فإن الأنثى العازبة تستخدمها دلالة على الفرح والسعادة، أو للدلالة على أنها مخطوبة، فيما تستخدمها المرأة المتزوجة أو الحامل كدلالة على زيادة في السعادة، وذهاب للأحزان وتقارب في العائلة.
أسعار
تقول خبيرة المكياج ريم العامر، إن هناك إقبالا منقطع النظير من السيدات على الحناء والنقش في كافة المناسبات، موضحة أن أسعار نقش العروس تتراوح بين 300 و500 ريال، لكنها لم تنكر وجود أسعار مبالغ فيها تختلف من مشغل إلى آخر وبأسعار قد تصل أحيانا إلى 2000 ريال.
محتويات الحناء
عناصر الصبغة
الأحماض العضوية
فيتامين ج
فيتامين ك
فوائد الحناء
تحسين بنية الشعر
التخلّص
من القشرة
معالجة تقصّف وتساقط الشعر
الفوائد الطبية للحناء
استخدام أوراقها لصنع دواء يكافح بعض الأمراض المعدية
تعالج الإسهال الشديد الناجم عن داء الأميبا
تعالج بعض الأمراض الجلدية، خصوصا الأماكن المصابة بالأكزيما
تكافح ألم الرأس عند تطبيقها موضعيا على الجلد لاحتوائها على مركبات تساعد على الاسترخاء
تكافح اضطرابات النوم
تسرع التئام الجروح
تساعد على تبريد الجلد وسحب أي حرارة منه، لذا فهي مفيدة في الحروق
منقوع أوراقها ينظف الجسم من السموم
في الموروث الأدبي
تناول الشعراء الحناء في قصائدهم، حيث قال قيس بن الملوح (مجنون ليلى) فيها:
ولم أر ليلى غير موقف ساعة... ببطن منى ترمي جمار المحصَّب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت به... من البُرد أطراف البنان المخضب
قال الشاعر مبارك الخليفة:
يا ناقش الحنا على كفك الزين... كفك عذاب قلوب من غير حنا
أخلفت عقال العرب والمجانين... خلق الله تباريك منا ومنا
كفك لحاله يجعل القاسي يلين... تومي على البزران ونطيح حنا
كما قال الشاعر فالح الدوسري:
كف يلوح يا أريش العين توديع... بالله لا تنقش عليه التلاوين
في الأغاني
ارتبطت الحناء كذلك بعدد من الأغاني والشيلات التي تتردد في الأعراس، ومنها شيلة «يا بنت حني كفوك خلي عيوني تشوفك»، وشيلة «وصف بنت الخليج يا زين نقش الكف بالحنا»، وشيلة «احنا بنات البدو يا زين حنانا»، وشيلة «حنت يديها واستعدت للظهور».
مخاطر
بعض أنواع الحناء، خصوصا السوداء ينطوي على مخاطر، منها:
01 ظهور طفح جلدي
02 انزعاج عام في الجسم
03 تحسس لدى بعض الأشخاص