أعود الیوم لذكرى عام 2009 ونحن نعیش تحت طائلة الجائحة الصحیة «كوفید 19» التي تلم بعالمنا عسى أن یرحمنا المولى ویعافینا وییسر لنا من أمرنا رشدا.
كان ذلك الیوم ونحن في المنطقة الشرقیة في معیة خادم الحرمین الشریفین الملك عبدالله بن عبدالعزیز -طيب الله ثراه وأحسن مثواه- عندما زاره الملك عبدالله الثاني ملك الأردن الشقیق، وبینما ھما یتبادلان الحدیث ونحن نسیر معھما، نظر إليّ الملك عبدالله الثاني وقال: أبارك لك تحمل ھذه الأمانة العظیمة لوزارة التربیة والتعلیم، وأتمنى لو سمح لي خادم الحرمین الشریفین بالتواصل معك للتنسیق وإرسال مجموعة من المتخصصین في أسالیب التعلیم الحدیثة، لإطلاعك على تطبیقات عسى أن تساعد في تطویر التعلیم لدیكم. وھنا نظر إليّ الملك عبدالله بن عبدالعزیز -یرحمه الله- قائلا: توكل على الله ونسق للتواصل مع من یراه الملك عبدالله.
عاودتني الذكرى الیوم بفخر واعتزاز بما أراه على شبكات التلفزة من تقدیم وزیر التعلیم لمبادرة التعلیم عن بعد في مركز إنتاج محتوى المدرسة الافتراضیة بحضور وزیري التجارة والاتصالات وتقنیة المعلومات، لتتحقق خدمة أبنائنا وبناتنا في ھذا الوقت العصیب، فبالشدائد تظھر الحقائق.
بعد اجتماعنا مع الإخوان من الأردن عام 2009، بدأت قصة توظیف التقنیة في التعلیم. فكان المقترح أن عرضوا علینا أن نتملك في شركة للتقنیات الحدیثة لتطویر التعلیم ولم تكن لدى الوزارة الآلیة أو التشریعات للقیام بھذه الخطوة، فطلبنا من المقام السامي تأسیس شركات الاستثمار تحت مظلة برنامج تطویر التعلیم. وفي هذه الأثناء
طلبت الوزارة تقدیم عروض للبنى التحتیة للاتصال الإلكتروني والتعلم عن بعد، طُرح مشروع برنامج «نور» الذي فازت به الشركة الأردنیة، وكما أذكر كان عرضھا أقل بما یقارب الثلثین من أعلى عرض.
تمّ التعاون مع هيئة الاتصالات وشركات الاتصالات على أعلى مستوى لتوصیل شبكة الإنترنت للمناطق التي تفتقر للربط الإلكتروني، وكان الاستثمار في تطویر القدرات التقنیة ھو الهاجس وأساس التوجهات لمستقبل الوزارة. فبرنامج «نور» كمنظومة للإدارة التربویة كان علامة فارقة، ونقلة نوعیة في التطور التقني، حیث وفر بنیة تقنیة متطورة ومتكاملة لجمیع المدارس التي تشرف علیھا وزارة التربیة والتعلیم داخل المملكة وخارجھا، الحكومیة منھا والأهلية، والتي یزید عددھا على أربعین ألف مدرسة، ویزید عدد طلبتھا على 6 ملایین طالب، وتخدم المنظومة أیضا ما یزید على ملیونین ونصف المليون ولي أمر، وأكثر من ستمئة ألف معلم وما یزید على أربع وأربعین ألف موظف وموظفة موزعین على أكثر من 416 مكتب تعلیم، وتوفر المنظومة ما یزید على 2700 وظیفة تتضمن العدید من الخدمات الإلكترونیة للطلاب والمعلمین وأولیاء الأمور ومديري المدارس والإداریین والموظفین والمسؤولین في إدارات التربیة والتعلیم وجهاز الوزارة.
ومن ضمن الخدمات التي یقدمھا النظام تسجیل الطلاب في المدارس ونقلھم من مدرسة لأخرى، والاستعلام عن نتیجة الطلاب والجدول المدرسي للطلاب والمعلمین ومتابعة أولیاء الأمور بالإضافة إلى جمیع الخدمات المتعلقة بالمعلمین، كما أن البرنامج أسس البنى التحتیة الإلكترونیة للتعلیم عن بعد. وتعتبر هذه المنظومة أحد أھم نتاجات برنامج التعاملات الحكومیة الإلكترونیة «یسر»، وھو ما یدل على أن الرؤیة الصحیحة المقرونة بالتنفیذ الفعلي على أرض الواقع والمتبوع بآلیات رقابة وتقییم صارم لا بدّ من أن تؤتي ثمارھا.
وكان أملي في الله ثم في برنامج «نور» الذي فاز بجوائز عالمیة، وھو من أكبر البرامج من نوعھا في المنطقة وربما في العالم، لیكون ھو قاعدة التطویر لبناء أساس قوي یمكننا من الوصول بھذا البرنامج إلى أبعاد عالمیة تكون المملكة من المبدعین والمبتكرین من خلال تطبیقات تبني وتبرمج وتطور إمكاناتھا لتضیف إلى الثورة المعلوماتیة، وتكون أسسا تتماشى مع الثورة الصناعیة الرابعة.
كما أن أملنا أن ینشأ مركز للأبحاث في المدینة المنورة یكون النواة لاستقطاب العقول من العالم الإسلامي لكي تسهم في البحث والتطویر، وتؤسس مركزا عالمیا یشارك ویسھم مع المؤسسات والمراكز في القطاع الخاص والعام بین قارتي أفریقیا وآسیا، لتجعل من المملكة محور التواصل والاتصال المعرفي.
الأمل لا زال قائما خصوصا على ضوء ما تمكننا منه حكومتنا -أعزّھا الله- من خلال برامجھا المختلفة تماشیا مع إستراتیجیتھا 2030، وكذلك أملنا في وزاراتنا كالاتصالات وتقنیة المعلومات، ووزارة التجارة وكذلك وزارة التعلیم، خصوصاً الجامعات وبرنامج تطویر التعلیم، ولا بد من مشاركة مؤسسات عالمیة تدعم هذه الرسالة الإنسانیة التنمویة قبل كل شيء كمنظمة التعاون الإسلامي وما یتبعھا كمنظمة العالم الإسلامي للتربیة والعلوم والثقافة (الإیسیسكو) وكذلك البنك الإسلامي، وأهم عامل لنجاح ھذا المركز أن یدار من قبل القطاع الخاص ویدعم المؤسسات المحتاجة في الدول الأقل حظا.
ختاما لا یسعني إلا أن أدعو المولى -عز وعلا- أن یحفظ ویعین بلادنا وبلدان العالم أجمع لتجاوز ھذا البلاء، وفي وقت الشدة أن یمنحنا إیمانا بقدرتنا ویمكننا -بإذنه وتقدیره- من تقدیم ما فيه الخیر والصلاح للعباد والبلاد، إنه على كل شيء قدیر، وھو السمیع المجیب.