ما الذي يمكن أن يقوم به القطاع الثالث في تنمية المجتمع، وتطوير منظومة العمل المجتمعي لمواكبة التغيرات؟ تساؤل لا أعتقد أن وزير العمل والتنمية الاجتماعية لم يضعه ضمن أولوياته، ونصب عينيه، فقد حظي القطاع غير الربحي في رؤية المملكة 2030 بنصيب جيد من الاهتمام، إذ أوكل إليه تحقيق عدد من الأهداف، أذكر أهمها في محور رفع إسهام القطاع غير الربحي، في إجمالي الناتج المحلي من أقل من 1% إلى 5%، والوصول إلى مليون متطوع في القطاع غير الربحي سنويا، ولعل هذا الأمر يقودني إلى عدة مسائل لا بد من الوقوف عليها ومعالجتها من صانع القرار في الوزارة، وأعني هنا الوزير نفسه. فالقطاع الثالث، أو كما يطلق عليه دوليا «قطاع المواطن» لدينا، يشمل الجمعيات الخيرية والتعاونية واللجان الاجتماعية الموجودة في الأحياء، والتي تدعم من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ولكنها تحتاج إلى الكثير والكثير للنهوض. وبما أن الجمعيات واللجان تعتمد في بعض برامجها على دعم من المؤسسات المانحة، والتي انتهجت أسلوبا إداريا حديثا مبنيا على الفكر الإستراتيجي والتخطيط ونماذج الأعمال. لا أقول ذلك جزافا، وإنما خلال اطلاعي على بعض تلك الممارسات في الميدان الخيري والاجتماعي، فتلك المؤسسات تضع لها خططا ذات بُعد إستراتيجي لعدة أهداف تخدم الجمعيات واللجان وغيرها، خلال قيامها بدراسات اجتماعية ودراسة الاحتياجات المجتمعية، فهي توظّف وتستعين بالكفاءات وذوي الخبرة لبناء قدرات الكيانات الخاصة بالجمعيات، وتحاول أيضا بناء القدرات الوظيفية والمهارية والخدماتية لتلك المؤسسات التي تقوم بدعمها، لأنها تقف على نقاط الضعف لديها، وتحاول أن تنهض بها، لكنها تجد أمامها عقبات تحد من الوصول إلى أهدافها الإستراتيجية. من ضمن هذه العقبات الموجودة نذكر على سبيل المثال أولا: الاستقرار الوظيفي، فكثير من الجمعيات واللجان تعاني عدم استمرارية موظفيها في جميع أقسامها، بما فيها المديرون التنفيذيون الذين يعدون أحد أهم الركائز لأي منظمة، والسبب في ذلك تأخر بعض الرواتب للموظفين لعدم وجود موارد مالية، أو قلة الرواتب على الرغم من أن هناك بعض الجمعيات لديها سلم رواتب عال، فالتفاوت بين الرواتب والمميزات المالية جعل الاستقرار الوظيفي تحدّيا كبيرا لاستمرارية هذه المؤسسات في تنفيذ خططها، وجعل التسرب الوظيفي ملازما لبعض تلك الجمعيات.
ثانيا: وجود نقص كبير في مؤهلات الكادر الوظيفي والعاملين لديها، مما جعل المؤسسات الداعمة تركز في بعض برامجها على بناء القدرات وليس تطويرها، وهناك فرق بين البناء والتطوير.
ثالثا: بعض الجمعيات قامت باستخراج تصاريح، وشكلت أعضاء مجلس إدارة، لكن تعثرت مسيرتها، والسبب في ذلك عدم وجود رؤية واضحة للجمعية، سواء من حيث الأهداف الإستراتيجية، وآلية تنفيذها، أو من جانب تنمية مواردها المالية، والذي أصبح هاجس كثير من العاملين في القطاع الثالث.
ما لديها فقط الاسم وأهداف قد لا تكون واقعية إذا ما قورنت بالإمكانات المتوافرة. في اعتقادي، أنه يجب النظر والبحث في التحديات الحقيقية للنهوض بالقطاع الثالث، وفي آلية عمل بعض الجمعيات واللجان الاجتماعية، والسياسيات التي تعمل بها، فإذا ما أردنا النهوض بهذا القطاع، وجب علينا النظر إلى مقوماتها المالية والبشرية والإدارية، وأن توضع الخطط الإستراتيجية، والبناء المؤسسي لكل جمعية، قبل أن تمنح التصريح ليسهل متابعة تنفيذها وتحقيق أهدافها.