فطبيعة المثقف لا بد أن تستند في تكوينها التحليلي على جوانب المعرفة المتعددة المشارب والأيديولوجيات، وكيفية تفسير تلك المشارب لواقعها الذي تتفاعل معه وتتعامل معه.
لا يتسنى أثر ذلك تشخيصا لها بشكل واقعي وفهم أكثر عمقا ودراية أشمل من حيث المضمون والإدراك والفعل، وهذا جله يأتي كمرحلة ابتدائية، يلي ذلك لا بد للمثقف أن يشارك في بناء البنية الفكرية للمجتمع الذي ينتمي له بقواعد وأسس موجودة بحكم العناصر الأيديولوجية والفكرية ويسهم في تطويرها وتغيير جوانب منها، وبناء نمط معين خاص بالطبقة التي ينتمي إليها، ويكون بذلك هو جسر العبور بين السياسي والمجتمع، ويكون هو العقد الاجتماعي الذي يفهم متطلبات المجتمع ويصيغها بشكل متناسق مع الأهداف العليا لصانع السياسية. كل ذلك من خلال بناء أنموذج ونظرية مجتمعية تشمل جوانبها الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والإدارية والتنظيمية، لضمان فهم المجتمع ورسم خارطة طريق للمحافظة على استمراريته.
لكن ما نجده في عالمنا العربي أن المستوى الفكري والذهني الذي يقوم به المثقف العربي هو الوقوف عند مستوى التفسير والتحليل والمقارنة، دون أن يبني مشروعا فكريا تطويريا ذا ثوابت راسية تخدم المجتمع على رغم أن أدوات المعرفة والتشخيص موجودة لديه، لكن ما زال منكفئا على نفسه بقراءة التاريخ وتحليل الصراعات الأيديولوجية والفكرية دون الخروج بمنهج حديث يقود فيه المرحلة المستقبلية ويضع لأسس نظرية عملية بنائية، مما يجعل المثقف نفسه يتساءل، عن سبب انعدام فعاليته في الوسط الذي يعمل فيه، والجواب هو أنه في نظر الجماهير سارد قصص بأسلوب مختلف عن المألوف، وبالتالي كان يجب عليه أن يصنع مشروعا يلامس كافة شرائح المجتمع، للوصول إلى نتائج من صنعه تهتم بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي... إلخ، وألا يقف بين أوراق وصفحات التاريخ ليفسر ويحلل دون الاستفادة أو التجربة من ذلك.