عبدالله الزازان

يقدم الدكتور جمال سند السويدي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، ومدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، في كتابه «آفاق العصر الأمريكي.. السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد» قراءة تحليلية موضوعية للقوة الشاملة للولايات المتحدة الأمريكية، وتفوقها النوعي في الاقتصاد والتطور العسكري وموارد الطاقة والنقل والتعليم والثقافة والتقدم التقني، والتي سوف تمكنها من إحكام قبضتها على العالم على مدى خمسة عقود قادمة.

فالولايات المتحدة الأمريكية تسبق دول العالم في التفوق النوعي العسكري والتقني والاقتصادي، محافظة على فارق ميزان القوة.

فالولايات المتحدة الأمريكية أعلنت في عام 2002 حفاظها على القوة والسيادة العالمية عن طريق التهديد بالقوة أو ثني الخصوم المحتملين عن بناء قوة عسكرية تضاهي القوة الأمريكية، وهي القوة التي كان عبر عنها جون كيندي قائلاً «إننا نملك القوة لجعل هذا الجيل البشري أفضل الأجيال في العالم أو آخر الأجيال».

وخارج نطاق القوة، يناقش الدكتور جمال سند السويدي في أحد محاور كتابه، قوة من نوع آخر، تتمثل في ظاهرتي: الوفرة والعولمة والتي اجتاحت العالم، وغيرت ملامحه.

أول هذه التغيرات: الوفرة الشمولية، حيث تميزت مجتمعات القرن الواحد والعشرين بالوفرة بمعناها الواسع الشمولي، الوفرة في السلع والمنتجات الاستهلاكية، والوفرة في الاستمتاع، والوفرة في الخدمات والوفرة في الأحلام والأمنيات، والوفرة في الممتلكات، والوفرة في الشركات والوفرة في المعلومات، والوفرة في الرفاهية. والوفرة في التنقل في أنحاء العالم. فالوفرة الفياضة التي جعلت الحياة تنساب بتدفق، أصبحت سمة هذا العالم الحديث، فليس هناك على سطح الأرض ما يمكن أن يقف في طريقك ويحول دون وصولك إلى عالم الوفرة. ولكن فعّل حسّ الإمكانية في حياتك! لقد نشأت الحياة في ظل الإمكانيات بمعنى أن أي شيء تفكر فيه يمكن أن يتحقق.

فقد عبر جورج برنارد شو عن هذا المعنى بقوله: «أنت تنظر إلى الأشياء كما هي وتقول: لماذا؟

أما أنا فإنني أحلم بأشياء لم تكن موجودة بالفعل وأقول: لمَ لا؟»

وثاني هذه التغيرات ظاهرة ثورة الاتصالات والمعلومات، التي أحالت العالم إلى مجتمع رقمي نتج عنها ما يعرف بالإنسان الرقمي، حيث أصبح التواصل تيارًا مجتمعيًا عالميًا، تحولت فيه الوفرة الاتصالية إلى أكبر مظاهر العصر الحديث. صحبتها تغيرات عميقة في المجتمعات الإنسانية الحديثة، حيث تنظر إلى العالم من خلال شبكة الإنترنت. فأحد تجليات هذه الظاهرة انتشار شبكة المعلومات، حيث تحولت إلى ما يشبه الجهاز العصبي لكوكب الأرض.

فالتدفق الهائل للمعلومات الذي حدث في الربع الأخير من القرن العشرين أعاد العالم إلى واقع جديد، التطورات التقنية في مجالات الاتصالات خلقت واقعًا جديدًا، وإنسانًا تفاعليًا عالميًا، وبذلك انتفت العزلة الحضارية في العالم، فشبكات المعلومات تنقل الأفكار والأخبار والمعلومات والأحداث التي تقع في العالم لتكون مرآة للمشاهد العالمي. فأصبح هنالك وعي عالمي متزايد بالأحداث العالمية البعيدة، التي كانت تمر في الماضي دون أن تثير اهتمام العالم، وقد رأينا ذلك في ما حدث في الحروب الأخيرة.

فقد أدى نمو ظاهرة التواصل المعرفي بين المجتمعات الإنسانية إلى وجود ما يسمى المجتمعات الإلكترونية وموجات العولمة. حيث تعد ظاهرة العولمة من السمات الأساسية للعالم الحديث. والحقيقة أن العولمة سوف تتوسع وتواصل تقدمها في العالم، فقد أصبح الترابط والتواصل ظاهرة عالمية، في الأفكار والمعلومات والسلع والخدمات، رغم محاولة مقاومتها ورفضها وكشف سلبياتها ومناهضتها، فإنها اكتسحت العالم. فالعولمة لم تعد مجرد ظاهرة غربية أو أمريكية، بعد أن تجذرت في العالم كله وانتشرت أفقيًا ورأسيًا وأصبح حضورها واسعًا في الغرب والشرق والشمال والجنوب، نشأ من خلالها عالم جديد.

واليوم من الصعب تجاهل ظاهرة العولمة، وخصوصًا بعد تداخلها مع الفكر الرأسمالي العالمي، وسعيها إلى عولمة القطاعات الاقتصادية.