الأحساء: عدنان الغزال

في وقت تسعى فيه معظم اقتصادات العالم إلى التخلص من جرائم غسل الأموال، طالب اقتصاديون وخبراء بالحد قدر الإمكان من التعامل النقدي الذي رأوا أنه أهم مظاهر تلك الجرائم.

يتمثل غسل الأموال في إدخال الأموال التي تأتي من مصادر مشبوهة إلى الاقتصاد الشرعي، لتسهيل استخدامها دون إثارة الشبهات، ويتم عبره التخلص من كميات كبيرة من النقود السائلة الآتية من مصدر غير مشروع، وذلك بهدف إبعاد الشبهات عنها.

في المقابل، ذهب اقتصاديون إلى أنه من الصعوبة بمكان تنفيذ هذه المطالبة بالنظر إلى تعقيداتها، وإن كان من الممكن الحد منها إلى حد بعيد.

حد من الاستخدام

يشدد الأكاديمي المستشار الاقتصادي الدكتور عبدالله بن ربيعان على أن استخدام المال النقدي «الكاش» لا يمكن إيقافه في كل بلدان العالم. وقال: «على الرغم من أن إيقاف الكاش أمر بالغ الصعوبة، فإنه يمكن الحد منه من خلال زيادة حث الناس على استخدام الأجهزة المصرفية وعمليات الإيداع والصرف الإلكترونية، وعن طريق stc pay وApple Pay، وغيرها».

وأضاف: «قد يستخدم الكاش في جرائم غسل الأموال، وكذلك التهرب الضريبي».

وتابع: «تلجأ العمالة مثلا إلى التعامل بالكاش حتى لا تسدد الضريبة».

وشدد الدكتور عبدالله على ضرورة رفض «الكاش»، وقبول الحوالات البنكية ووسائل الدفع الإلكترونية، لإجبار الطرف الآخر الذي يحاول التلاعب بالضريبة أو غسل الأموال أو غيرها على التعامل القانوني، وحتى لا يقع المواطن في مشكلة، لافتًا إلى ضرورة المتابعة الأمنية للصفقات المالية الكبيرة من أجل التأكد من مصادر الأموال فيها.

خطوات مهمة

يرى الخبير في مكافحة جرائم غسل الأموال الدكتور سالم باهمام أن ما قامت به المملكة العربية السعودية من تطوير في القطاع المالي، وريادتها العالمية في استخدام كل الطرق الحديثة، واللوائح المحدثة، ومراقبة القطاع المالي، أسهم في جعل استخدام النقد قليلا جدا جدا مقارنة بالدول العظمى، وهذا مما قلل بشكل كبير وملحوظ من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وقال: «أصبحت قنوات الدفع والمدفوعات تتم عبر التقنية، سواء نقاط بيع أو تطبيقات الأونلاين، أو الجوال، أو طرق الدفع الإلكترونية الأخرى».

حدوث تضخم

نصح باهمام بضرورة رفع الوعي والثقافة المالية، لتفادي الوقوع في جرائم غسل الأموال، قائلا: «لا بد من رفع الوعي، وعدم الثقة الزائدة. كما لا بد من الإطلاع وفهم الرسائل التي ترسل من قِبل البنك المركزي والجهات المالية ذات الصلة، وأن يكون الرقم السري قوي، ولا يشارك مع أحد، وعدم التعامل المالي مع أشخاص أو كيانات غير معروفة».

وأوضح أن هناك 3 مراحل لغسل الأموال، وهي:

1- الإيداع:

يعد من أخطر المراحل. وعند عدم كشف غسل الأموال في هذه المرحلة، فإنه يصعب اكتشافه في المراحل اللاحقة.

وتتمثل هذه المرحلة في إدخال الأموال المكتسبة بطريقة غير شرعية إلى النظام المالي بأي شكل من الأشكال، وذلك بإدخال أموال «نقدية» في المؤسسات المالية والبنوك، و70% من جرائم غسيل الأموال تتم في هذه المرحلة.

2- التغطية:

تأتي بعد إيداع الأموال في المؤسسات المالية عبر تنفيذ عمليات متعددة، لإخفاء طريقة الإيداع عبر البنوك والمؤسسات، والتحويل إلى دول أخرى.

3- الدمج:

دمج الأموال المكتسبة بطريقة غير شرعية في الاقتصاد المحلي من خلال الشراء بمبالغ كبيرة، وهذا قد يتسبب في حدوث تضخم جراء دفع مبالغ مالية طائلة، مثل شراء عقارات وإجراء عمليات تجارية. لكن التضخم له أضراره المؤكدة على الدولة وعلى الأفراد.

مخاطر وشبهات

يؤكد الخبير السعودي المتخصص في مخاطر ومكافحة غسل الأموال عبدالله الزبيدي أن الهدف من غسل الأموال يتمثل في إدخال الأموال المشبوهة إلى الاقتصاد الشرعي، لتسهيل استخدامها دون إثارة الشبهات. ومن بين مراحل غسل الأموال التخلص من كميات كبيرة من النقود السائلة الناجمة عن الجريمة الأصلية، وذلك لإبعاد الشبهات عنها، موضحا أن مرتكب جريمة غسل الأموال يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز 10 سنوات، أو بغرامة لا تزيد على 5 ملايين ريال أو بكلتا العقوبتين.

وأبان الزبيدي أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة على مستوى ضبط التبرعات التي تقدم للجمعيات الخيرية، أو حتى التصرف في أموال هذه الجمعيات، أسهم في سد باب عريض لغسل الأموال الذي كان يتم عن طريقها سواء بمعرفتها أو دون معرفة، معددا نحو 26 مؤشرا تدل على الاشتباه بغسل الأموال، منها دفع عربون لمشاريع ثم التراجع عنها، أو تكرار الدفع من شخص بما يفوق إمكاناته، ومتحدثا عن 4 تشريعات معتمدة لمكافحة جرائم غسل الأموال.

أساليب شائعة في غسل الأموال

أولا- من خلال العقارات، وذلك عبر الخطوات التالية:

1ـ شراء مبنى سكني بقيمة كبيرة

2ـ إنشاء شركة وهمية تُعرف أيضًا باسم «شركة واجهة»، تستخدم لشراء المبنى

3ـ شراء العقار عبر حصول الشركة على قرض لشرائه من أجل تصعيب تتبع مصدر المال

4ـ رفع قيمة العقار وهميا بعد إتمام الصفقة، حيث تبيع الشركة المبنى لشركة واجهة أخرى بربح نحو 50% عن سعر الشراء

5ـ تكرر الخطوة مرات عدة، مع إشراك مزيد من الشركات الوهمية، وإجراء عمليات نقل ملكية يصعب فكها

6ـ إخفاء أثر الأموال بتحريك فائض كل صفقة بين حسابات مرتبطة بشركات الواجهة

7ـ استخدام تلك الأموال التي تبدو قانونية للاستثمار في أصول أو شركات أخرى، مما يمنحها مظهرًا قانونيًا

ثانيا: عبر التجارة

يمكن أن يكون ذلك شركة إلكترونية على سبيل المثال:

1ـ تأسيس شركة تتخصص في تجارة الإلكترونيات

2ـ شراء أجهزة إلكترونية بسعر السوق مع إصدار فواتير وهمية بأسعار أعلى

3ـ استخدام الفواتير المرتفعة القيمة في التصريح الجمركي والمدفوعات

4ـ بيع الأجهزة لشركة واجهة أخرى بسعر يفوق السعر الفعلي، وربما بالضعف

5ـ تكرر العملية مرات عدة

6ـ تحرك الأموال الفائضة بين حسابات لشركات واجهة عدة

7ـ تستخدم الأموال غير القانونية التي تم تداولها بين حسابات كثيرة في شراء أصول أخرى أو تأسيس شركات، مما يعطي هذه الأموال مظهرًا قانونيًا

ثالثا: عبر الإيداع

يتم ذلك بإدارة أعمال تعتمد على النقد مثل مطعم

1ـ يحقق المطعم دخلا نقديا قدره 10 آلاف ريال يوميا

2ـ يمكن إضافة مبلغ مماثل من طرق غير مشروعة، ويسجل كإيراد للمطعم

رابعا: عبر التعتيم

باستخدام معاملات عدة لتعقيد أصول الأموال غير القانونية

1ـ نقل مبلغ من حساب مصرفي إلى آخر

2ـ تحويل المبلغ إلى شيكات سياحية

3ـ تحويل الشيكات عبر حوالات بنكية دولية

4ـ استثمارها في سلسلة أسهم عالية المخاطر

خامسا: عبر العملات المشفرة

استخدام العملات الرقمية لنقل وإخفاء الأموال غير المشروعة

1ـ تحويل الأموال غير المشروعة إلى عملات مشفرة

2ـ الاستفادة من خاصية إخفاء الهوية للعملات المشفرة في عملية غسل الأموال

سادسا: عبر الحسابات الخارجية

فتح حسابات في مصارف لدى دول لديها قوانين صارمة لسرية الحسابات المصرفية

عقوبات جرائم غسل الأموال حسب القانون السعودي:

المادة 26

يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة «الثانية» من النظام بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز 10 سنوات، أو بغرامة لا تزيد على 5 ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين.

المادة 27 أ

يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال -المنصوص عليها في المادة «الثانية» من النظام- بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تتجاوز 15 سنة، أو بغرامة لا تزيد على 7 ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين إذا اقترنت الجريمة بأي من الآتي:

1- ارتكابها من خلال جماعة إجرامية منظمة.

2- استخدام العنف أو الأسلحة.

3- اتصالها بوظيفة عامة يشغلها الجاني، أو ارتكابها باستغلال السلطة أو النفوذ.

4- الاتجار في البشر.

5- استغلال قاصر ومن في حكمه.

6- ارتكابها من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو في مرفق خدمة اجتماعية.

7- صدور أي حكم سابق محلي أو أجنبي بإدانة الجاني.

المادة 28

1- يمنع السعودي المحكوم عليه بعقوبة السجن في جريمة غسل أموال من السفر خارج المملكة مدة مماثلة لمدة السجن المحكوم عليه بها.

2- يبعد غير السعودي المحكوم عليه في جريمة غسل أموال عن المملكة بعد تنفيذ العقوبة المحكوم عليه بها، ولا يسمح له بالعودة إليها.

المادة 29 أ

إذا أبلغ أحد مرتكبي جريمة غسل الأموال السلطات المختصة عن الجريمة -قبل علمها بها- أو عن مرتكبيها الآخرين، وأدى بلاغه إلى ضبطهم أو ضبط الأموال أو الوسائط أو متحصلات الجريمة، فيجوز تخفيف العقوبة عنه وفقا لما تقضي به المادة «الثلاثون».

المادة 30

يجوز تخفيف العقوبات الواردة في المادة الـ«26» من النظام وفقاً للظروف المُقررة نظاما، لتكون العقوبة السَّجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز 7 سنوات، أو غرامة لا تزيد على 3 ملايين ريال، أو كلتا العقوبتين، وذلك متى بادر مرتكب الجريمة بعد علم السلطات المختصة بها بالإبلاغ بمعلومات لم يكن من الممكن الحصول عليها بطريق آخر، وذلك للمساعدة في القيام بأي مما يأتي:

‌أ- منع ارتكاب جريمة غسل أموال أخرى أو الحد من آثارها.

‌ب- تحديد مرتكبي الجريمة الآخرين أو ملاحقتهم قضائيًّا.

‌ج- الحصول على أدلة.

د- حرمان الجماعات الإجرامية المنظمة من أموال لا حق لها فيها، أو منعها من السيطرة عليها.

المادة 31

1- مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية للشخص ذي الصفة الطبيعية، يعاقب أي شخص ذي صفة اعتبارية يرتكب جريمة غسل الأموال بغرامة لا تزيد على 50 مليون ريال سعودي، ولا تقل عن ضعف قيمة الأموال محل الجريمة.

2- يجوز معاقبة الشخص ذي الصفة الاعتبارية بمنعه بصفة دائمة أو مؤقتة من القيام بالنشاط المرخص له به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو بإغلاق مكاتبه التي اقترن استخدامها بارتكاب الجريمة بصفة دائمة أو مؤقتة، أو بتصفية أعماله.

المادة 32

يجوز تضمين الحكم الصادر بالعقوبة النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة محلية تصدر في مقر إقامته، وإن لم تكن في مقره صحيفة ففي أقرب منطقة له، أو نشره في أي وسيلة أخرى مناسبة، وذلك بحسب نوع الجريمة المرتكبة وجسامتها وتأثيرها، على أن يكون نشر الحكم بعد اكتسابه الصفة النهائية.