عبدالله الجديع

خاض أنصار حركة طالبان حملات إعلامية واسعة لتبرير منع حركة طالبان الأفغانية كتاب التوحيد ، بحجَّة أنَّ داعش في خراسان تستغل هذا الكتاب في أعمالها الإرهابية، ولكنَّ هذا السلوك الإعلامي هو طريقة طالبان من قديم، فحين منعت الفتيات من التعليم في التسعينات، كان التبرير وقتها بأنَّهم يريدون تطهير المدارس من المعلِّمات الشيوعيات اللاتي كنَّ في التعليم في مرحلة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، ثم انهار الاتحاد السوفيتي وسقطت الشيوعية، ولا يزالون اليوم بعد خروج الأمريكيين من أفغانستان، يمنعون الفتيات من التعليم، وفي كل مرَّة يقدِّمون حجة جديدة، رغم أنَّ المسألة شهيرة في العالم إلا أنهم يرفضون كل الأخبار والتقارير الدولية، ويبقون على التبرير غير المنقطع كأنهم المصدر الوحيد لمعرفة ما يدور في أفغانستان.

إنهم يتذاكون مع العالَم، ويقدِّم أنصارهم تبريرات جديدة للأسلوب المتكرر، كأنَّه لا تاريخ لطالبان يكشف عن مدى مصداقية ادعاءاتهم، فليس من جديد أخبار التعصُّب الذي ترتكز عليه حركة طالبان، ففي أواخر الثمانينات صدرت فتيا في قندهار بطرد العرب المتطوعين ضد السوفييت أو قتلهم، لأنهم وهَّابية كفار، وقد وثق هذا عربي شارك في القتال وأصيب وهو الدكتور أيمن صبري فرج في كتابه (ذكريات عربي أفغاني). لكنَّ المسألة لم تتوقف عند هذا فحين سيطرت طالبان على أفغانستان في التسعينات، بدأ سلوكها القعمي ضد السلفيين.

وكانت الأخبار حينها شبيهة بما ينمي إلى الأسماع اليوم. ففي التسعينات أعدت الحركة في منطقة (حصار غلجي) قرب جلال آباد موقعًا للتبرك بخرقة يقولون هي من ثياب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقاموا بحراسة الموقع وهو سلوك انتشر للحركة في التسعينات، ولا يزال حتى اليوم، ومن كان ينكر هذا عليهم يوصف بالوهابية ويعاقَب، فطردت الحركة المولوي هاشمي إمام مسجد باجازي في جلال آباد بحجة أنه وهابي، وسجنت محمد حسن فاريابي رئيس المعارف في ولاية هرات عندئذ بتهمة أنه وهابي، وعينوا مكانه مولوي نعيم من خوست وهو صوفي مغالٍ، إلى غير ذلك من أفعالهم في تلك المدة.

هذه الأخبار قديمة تفند ما تقوله طالبان بأنها تمنع كتبًا بحجة طارئة وهي وجود داعش، إذ كانت نواة داعش (جماعة التوحيد والجهاد) التي تأسست بعد سقوط العراق على يد الزرقاوي سنة 2003، وتلك الأخبار عن ملاحقة طالبان للسلفيين من التسعينات، واعتمد عليها كتاب اشتهر في أوساط الحركات المتطرفة وهو (كشف شبهات المقاتلين تحت راية من أخلَّ بأصل الدين) لعبد الله الموحِّد، وهو الذي رد عليه أبو قتادة الفلسطيني في كتاب (جؤنة المطيبين في بيان أخطاء رسالة كشف شبهات المقاتلين)، فعبد الله الموحد هاجم طالبان وجمع أخبارهم من قمع السلفيين في التسعينات لتقوية حجَّته ضدهم وصدر كتابه مطبوعًا سنة 2000، ورد عليه أبو قتادة مدافعًا مبررًا لطالبان.

فالمسألة قديمة وليست ابنة ظرف طارئ، ولا هي ضد تنظيم داعش كما يدعي أنصار طالبان، بل تعتمد على التعصُّب المذهبي والغلو الصوفي الذي تشجعه طالبان من أيام تأسيسها، مغرقة بالعداء لمن أمر بالتوحيد والتمسك بالسنة وترك البدعة من السَّلفيين. أما عبد الله الموحِّد فلم يكن سلفيًا قط، وإنما نقل أخبار قمع السلفيين في التسعينات كتعزيز لحجته ضد طالبان، والموحِّد اسم مستعار لـ» أحمد حازم توفيق» ، مصري تطوع للقتال في أفغانستان، بعد أن تربى على أدبيات جماعة « شكري مصطفى» في مصر، الذي أعدم في مصر لتنفيذه عملية إرهابية، وهو ممن كان منضمًا للإخوان أيام سيد قطب وسجن في أواخر الستينات، و هاجم الدعوة النجدية وأئمتها بشعارات قطبية كالحاكمية كما في كتابه (تجلية الراية).

مما سبق يظهر زيف ما تقوله طالبان وأنصارها، فهي على مسارها القديم في تعزيز توجه ديني معادٍ لمنهج السلفيين القائم على تنقية البدع، ولا يجابهون الحجَّة بالحجة، بل يحاربون السلفيين بالقمع والتشديد والحصار، وفصلهم من وظائفهم واعتقالهم، في مسلك يبعثر مصداقيتهم الإعلامية، إذ تقول الحركة خلاف ما تفعل، وهو جزء مما ساهم بإخفاقهم في الماضي، وريبة المجتمع الدولي من سياساتها اليوم، ولكنَّ الحركة لا تتعلم من تجاربها وتظنُّ أنها بدعم التوجهات المتعصبة وقمع المدنيين السلفيين، تعزز سلطانها، ومن يحتفون بالنموذج الذي تقدِّمه طالبان يظهرون أي مستقبل يريدونه في المنطقة، إنه نموذج متعصَّب لا يأمن فيه الدَّاعي إلى السُّنَّة على نفسه وماله وعرضه.