محمد بن مفلح

كان الليل ساكنًا حين قرر أبو خالد، الحرفي السوري الذي أنهكته سنوات الحرب، أن يراقب الأخبار على شاشة تلفازه القديم. بين يديه كوب من الشاي يخفف من برودة الليل، وفي قلبه أمل صغير ينبض بعد أعوام من الألم. فجأة، انقطعت البرامج ليظهر خبر عاجل: «طائرات الإغاثة السعودية تهبط في المطارات السورية، محملة بالمساعدات الإنسانية». لم يستطع أبو خالد إخفاء دموعه، فقد كانت اللحظة تحمل معاني أكبر من مجرد وصول طائرات؛ كانت رسالة بأنه ما زالت هناك قلوب تنبض من أجله وأجل شعبه.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تمد فيها السعودية يد العون لأشقائها في سوريا، بعد تحرير العديد من المناطق وعودة الاستقرار إلى أجزاء واسعة من البلاد، قررت المملكة أن تُسير طائرات محملة بالمساعدات الغذائية والطبية والإيوائية، تتحدى بها كل العوائق اللوجستية والسياسية، وعلى الرغم من التحديات، وصلت المساعدات إلى المناطق التي هي بأمس الحاجة، لتصبح الطائرات السعودية رمزًا للأمل والإخاء.

لكن المساعدة لم تقتصر على الطائرات وحدها، في ذلك اليوم الذي كانت الشوارع فيه مظلمة بسبب نقص الوقود، سمع أبو خالد صوت هدير شاحنات قادمة من بعيد، إنها شاحنات الوقود السعودية، تدخل الأراضي السورية لتعيد الحياة إلى المصانع والمستشفيات والمدارس، لم يكن ذلك سهلًا، فقد كانت هناك عقبات سياسية وموانع دولية تحاول عرقلة هذه الجهود. ومع ذلك، كان الإصرار السعودي أقوى من كل تلك العراقيل، لأن الهدف كان نبيلًا يتجاوز الحدود والمصالح.

بينما كانت الطائرات تحلق في السماء والشاحنات تقطع الطرق الوعرة، أدرك السوريون أن السعودية لم تكن تفعل ذلك لمصلحة آنية أو مكسب سريع، بل لأنها تؤمن بأنه لا يصح إلا الصحيح، وأن الوقوف مع الأشقاء هو واجب ينبع من قيم الإسلام وقيمها الإنسانية.

في إحدى الليالي، جلس أبو خالد مع أطفاله بجوار مدفأة صغيرة تعمل بالوقود الذي وصل للتو. نظر إلى عيونهم اللامعة وقال: «ما قامت به السعودية هو ما نتمناه لأنفسنا جميعًا. أن يعم الأمان، وأن يكون هناك من يقف معنا وقت الحاجة». كان حديثه بسيطًا، لكنه حمل في طياته امتنانًا عميقًا وشعورًا بأن الأمل دائمًا ممكن، ما دام هناك من يعمل لأجل الخير.

اليوم، وبعد مرور تلك الأحداث، لا تزال قصص الطائرات والشاحنات السعودية حديث السوريين، تحمل بين طياتها معاني الأخوة الحقيقية والتضامن الذي يتجاوز كل الحواجز.

تظل السعودية مثالًا حقيقيًا على أن الأخوة الحقيقية تُبنى بالأفعال، لا الأقوال، وأنه " لا يصح إلا الصحيح" في نهاية المطاف.