فودة محمد علي
في عالمنا العربي لدينا تقليد متبع في كثير من قدراتنا التعبيرية عما يجول في داخلنا وأعماقنا من حب ومشاعر، تجاه بعضنا البعض، وعن التكريم الذي نقدمه لمن يعملون فيحسنون ويخلصون، وهو أننا نكتم هذا الفيض العاطفي من الحب والمشاعر لما بعد الموت ، ونؤجل التكريم لما بعد الرحيل ، بل نجتهد في إخفاء عبارات المديح والثناء وتغيب عن ألسنتنا عبارات التعبير عن الحب المتأصل في القلوب وعن المديح والثناء الذي يترقبه وينتظره الجميع...
استحضر مئات العبارات والكلمات وهذا الحب الجارف الذي يحظى به زملاء بعد موتهم ، والذين يعملون بدأب وتفان، ويقومون بكل ما وكل إليهم بكل حب وإخلاص، عبارات من الحب الصافي ، التي تضج بها مواقع التواصل ، وأحاديث الزملاء والأصدقاء، والتي تفيض وتسيل من كل أحبابهم ، فتنطلق عبارات الحب والثناء الجارف ، وتقام المهرجانات تكريمًا لهم وحفلات التأبين إشادة بجميل محاسنهم، ويفيض ويموج الجميع حول حسن سيرتهم وكريم أخلاقهم ، ويكتال لهم الجميع عبارات الثناء والمديح ، التي كانوا متسمين بها ومحافظين عليها، لكنني عدت وتساءلت بيني وبين نفسي ماذا لو قرأ وسمع الراحلون هذا الفيض من الحب والمشاعر، وهذه العواطف الجياشة وماذا لو رأوا بأعينهم هذه التكريمات المتتالية؟!! ألا ربما قد يكون سببًا كبيرًا في مزيد من عطائهم ؟! ألا يسهم هذا في إدخال السرور عليهم ؟! وتساءلت لماذا درجنا على تكريم الموتى ؟! لماذا نخفي ونكتم حبنا المكنون في صدرونا لأحبابنا في وقت قد يكون التعبير عنه زادًا لهم ومعينًا على البقاء والاستمرار ..
ربما يرجع هذا لأننا في كثير من عواطفنا نرى أن التعبير بها للموتى قد يكون أصدق وأبعد عن مخاطر الغلو أو الانجرار إلى طرق المجاملة غير المحمودة ؟! وقد نرى كما يقول البعض أن التكريم للراحلين أولى لأن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ...!!
لكن ألا ترون أن تكريم الشخص في حياته أجدى وأنفع ؟ وألا ترون أن تكريمه حيّا والتعبير عن حالة الحب التي نكنها له في صدورنا تزيد رابطة الأخوة والمودة والمحبة ...!!
عن أَنسٍ، رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَرَّ بِهِ رجل، فَقال: يا رسول اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فَقَالَ لَهُ النبيُّ ﷺ: أَأَعْلمتَهُ؟ قَالَ: لا قَالَ: أَعْلِمْهُ فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْببْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي علمنا كيف صك بنفسه عبارات الثناء التي كان يطلقها على أصحابه ، والتي كانت سببًا في مزيد على التحفيز والدعم والعطاء، فضلا عن الثناء العاطر الذي كان يشملهم به ، فهذا أسد الله ، وهذا حواري رسول الله، وهذا أشدهم حياء ، وهذا أصدقهم لهجة ، وهذا أقضاهم ، وهذا أعلمهم بالحلال والحرام ، وفلان أقرؤهم، وفلان أحلمهم، نياشين وألوية كان يبثها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه التي كانت تملأ المجتمع إيجابية وتدفعهم لمزيد من العطاء والتفاني، وكان يعبر لهم عما يجيش في صدره من حب لهم ، فيقول لمعاذ : إني أحبك !!
وفي أحاديثه مع زوجاته وهو يسمر مع إحداهن يظهر لها مكنون صدره وفؤاده فيطمئن فؤادها من ناحية وفائه بعهدها ، فيقول لها : إن أبا زرع طلق وأنا لا أطلق !!
وفي مجتمع المدينة -لا أقول الفاضلة التي حلم بها أفلاطون- بل في المدينة المنورة، التي طالما تمناها الأدباء والشعراء ، وحلم بها الفلاسفة والحكماء عاش الحب وعم التآخي بين المسلمين ، فوصل لنا الكثير من سيرهم وأخبارهم التي كانت تؤكد أنهم كانوا ينثرون الحب ويغرسون الورود فيما بينهم ، بل كل واحد منهم كان يرى نفسه بأخوانه ومجتمعه، بل من عجب أن أحاديث الرسول التي زكى بها رجالا من أصحابه وصلت لنا عبر رجال عدول ليؤكدوا حالة الحب والتآخي ..
من هذا المنطق أرى أن المشاعر الجياشة التي يكنها كل أخ وأخت وكل زميلة وزميلة وكل صديقة وصديقة ، تجاه أخوانهم وزملائهم وأصدقائهم ولا سيما حديث الزوج لزوجته والزوجة زوجها لتدوم العشرة وتحل السكينة ، مشاعر واجب التعبير عنهم لهم في حياتهم ، وعواطف يجب أن تخرج من حنايا الصدور لتكون نغمًا حالمًا أو سطورًا مضيئة نهديها لمن نحبهم ونوقرهم ، وأنه يجب أن يكرم من يستحق التكريم في حياته لا بعد مماته، وأن يشكر ويقدر من يقدم ما يستحق الشكر والتقدير على حياة عينه، مما لا شك سيكون له أبلغ الأثر في مزيد من الـألفة ، وفي دوام الحب والأخوة ، وفي دافع نحو مزيد من العطاء والإنجاز ...ولا سيما ونحن على أعتاب أيام الحب والرحمة لنرفع فيها شعار الحب، التي نهديها لكل من نحب... قولوها ولا تملوا تكرارها فهي تنزل على القلوب مثل القطرة تنزل على الزهرة الزابلة لتعيد إليها الحياة من بعيد ...أحبك في الله ... كلمة لكنها تعبر عن صدق العواطف ، ونقاء القلوب ، وفيض المشاعر ، وحياة الضمائر وسلامة النوايا سوف تكون عاملا مهمًا على التقارب والتراحم والتآخي والتعاطف ...أقولها لكم جميعًا : أحبكم في الله .
أنثروا كلمات المديح الصادق والثناء العاطر وأبلغوا به من يستحقه ، وعلى المؤسسات والهيئات أن تضع أنظمة تتضمن لوائح التقدير والمكافآت كما تضع لوائح الجزاءات والعقوبات ، وأن يحرص المديرون والمسؤولون على تكريم أهل الكفاءة وإثابتهم وأن يشكر ويقدر كل من يحسن في عمله وصنعته ..ولا ننتظر إقامة حفلات التأبين التي لم تعد تفيد الموتى...
أختم بهذه العبارة المشتهرة على ألسنة بعض الناس وهي مقولة صادقة " من قطعني في حياتي ، فليوفر دمعه عند وفاتي " .
استحضر مئات العبارات والكلمات وهذا الحب الجارف الذي يحظى به زملاء بعد موتهم ، والذين يعملون بدأب وتفان، ويقومون بكل ما وكل إليهم بكل حب وإخلاص، عبارات من الحب الصافي ، التي تضج بها مواقع التواصل ، وأحاديث الزملاء والأصدقاء، والتي تفيض وتسيل من كل أحبابهم ، فتنطلق عبارات الحب والثناء الجارف ، وتقام المهرجانات تكريمًا لهم وحفلات التأبين إشادة بجميل محاسنهم، ويفيض ويموج الجميع حول حسن سيرتهم وكريم أخلاقهم ، ويكتال لهم الجميع عبارات الثناء والمديح ، التي كانوا متسمين بها ومحافظين عليها، لكنني عدت وتساءلت بيني وبين نفسي ماذا لو قرأ وسمع الراحلون هذا الفيض من الحب والمشاعر، وهذه العواطف الجياشة وماذا لو رأوا بأعينهم هذه التكريمات المتتالية؟!! ألا ربما قد يكون سببًا كبيرًا في مزيد من عطائهم ؟! ألا يسهم هذا في إدخال السرور عليهم ؟! وتساءلت لماذا درجنا على تكريم الموتى ؟! لماذا نخفي ونكتم حبنا المكنون في صدرونا لأحبابنا في وقت قد يكون التعبير عنه زادًا لهم ومعينًا على البقاء والاستمرار ..
ربما يرجع هذا لأننا في كثير من عواطفنا نرى أن التعبير بها للموتى قد يكون أصدق وأبعد عن مخاطر الغلو أو الانجرار إلى طرق المجاملة غير المحمودة ؟! وقد نرى كما يقول البعض أن التكريم للراحلين أولى لأن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ...!!
لكن ألا ترون أن تكريم الشخص في حياته أجدى وأنفع ؟ وألا ترون أن تكريمه حيّا والتعبير عن حالة الحب التي نكنها له في صدورنا تزيد رابطة الأخوة والمودة والمحبة ...!!
عن أَنسٍ، رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَرَّ بِهِ رجل، فَقال: يا رسول اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فَقَالَ لَهُ النبيُّ ﷺ: أَأَعْلمتَهُ؟ قَالَ: لا قَالَ: أَعْلِمْهُ فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْببْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي علمنا كيف صك بنفسه عبارات الثناء التي كان يطلقها على أصحابه ، والتي كانت سببًا في مزيد على التحفيز والدعم والعطاء، فضلا عن الثناء العاطر الذي كان يشملهم به ، فهذا أسد الله ، وهذا حواري رسول الله، وهذا أشدهم حياء ، وهذا أصدقهم لهجة ، وهذا أقضاهم ، وهذا أعلمهم بالحلال والحرام ، وفلان أقرؤهم، وفلان أحلمهم، نياشين وألوية كان يبثها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه التي كانت تملأ المجتمع إيجابية وتدفعهم لمزيد من العطاء والتفاني، وكان يعبر لهم عما يجيش في صدره من حب لهم ، فيقول لمعاذ : إني أحبك !!
وفي أحاديثه مع زوجاته وهو يسمر مع إحداهن يظهر لها مكنون صدره وفؤاده فيطمئن فؤادها من ناحية وفائه بعهدها ، فيقول لها : إن أبا زرع طلق وأنا لا أطلق !!
وفي مجتمع المدينة -لا أقول الفاضلة التي حلم بها أفلاطون- بل في المدينة المنورة، التي طالما تمناها الأدباء والشعراء ، وحلم بها الفلاسفة والحكماء عاش الحب وعم التآخي بين المسلمين ، فوصل لنا الكثير من سيرهم وأخبارهم التي كانت تؤكد أنهم كانوا ينثرون الحب ويغرسون الورود فيما بينهم ، بل كل واحد منهم كان يرى نفسه بأخوانه ومجتمعه، بل من عجب أن أحاديث الرسول التي زكى بها رجالا من أصحابه وصلت لنا عبر رجال عدول ليؤكدوا حالة الحب والتآخي ..
من هذا المنطق أرى أن المشاعر الجياشة التي يكنها كل أخ وأخت وكل زميلة وزميلة وكل صديقة وصديقة ، تجاه أخوانهم وزملائهم وأصدقائهم ولا سيما حديث الزوج لزوجته والزوجة زوجها لتدوم العشرة وتحل السكينة ، مشاعر واجب التعبير عنهم لهم في حياتهم ، وعواطف يجب أن تخرج من حنايا الصدور لتكون نغمًا حالمًا أو سطورًا مضيئة نهديها لمن نحبهم ونوقرهم ، وأنه يجب أن يكرم من يستحق التكريم في حياته لا بعد مماته، وأن يشكر ويقدر من يقدم ما يستحق الشكر والتقدير على حياة عينه، مما لا شك سيكون له أبلغ الأثر في مزيد من الـألفة ، وفي دوام الحب والأخوة ، وفي دافع نحو مزيد من العطاء والإنجاز ...ولا سيما ونحن على أعتاب أيام الحب والرحمة لنرفع فيها شعار الحب، التي نهديها لكل من نحب... قولوها ولا تملوا تكرارها فهي تنزل على القلوب مثل القطرة تنزل على الزهرة الزابلة لتعيد إليها الحياة من بعيد ...أحبك في الله ... كلمة لكنها تعبر عن صدق العواطف ، ونقاء القلوب ، وفيض المشاعر ، وحياة الضمائر وسلامة النوايا سوف تكون عاملا مهمًا على التقارب والتراحم والتآخي والتعاطف ...أقولها لكم جميعًا : أحبكم في الله .
أنثروا كلمات المديح الصادق والثناء العاطر وأبلغوا به من يستحقه ، وعلى المؤسسات والهيئات أن تضع أنظمة تتضمن لوائح التقدير والمكافآت كما تضع لوائح الجزاءات والعقوبات ، وأن يحرص المديرون والمسؤولون على تكريم أهل الكفاءة وإثابتهم وأن يشكر ويقدر كل من يحسن في عمله وصنعته ..ولا ننتظر إقامة حفلات التأبين التي لم تعد تفيد الموتى...
أختم بهذه العبارة المشتهرة على ألسنة بعض الناس وهي مقولة صادقة " من قطعني في حياتي ، فليوفر دمعه عند وفاتي " .