هل يحتاج إلقاء التحية على الآخرين إلى حملة ترعاها جهات رسمية؟.
يبدو أن هذا هو الحال في عدد من المدن في السويد، حيث تنظم البلديات حملة بدأت منذ أيام لحث السكان على تبادل التحية.
مقابل الدفء والمبادرة التي تعرفها مجتمعاتنا، ومقابل «إفشاء السلام» و«تبسمك في وجه أخيك صدقة»، وهي من السنن في ديننا، والتي دأبت عليها مجتمعاتنا حتى ليكاد المرء يلقي التحية على عشرات الأشخاص ممن يعرف ولا يعرف بمجرد أن يقطع الشارع أمام باب بيته أو يسير قليلا على ممشى، ثمة انعزال شديد يتباين في مجتمعات أخرى، ويصل إلى حد الانغلاق في بعض البلدان، وعلى الأخص تلك التي تقع على مشارف أو داخل عمق مناطق الشمال الباردة القريبة من القطب الشمالي، وكأن برودة الطقس تنعكس على طباع الناس.
انعزال حاد
تمتاز المدن السويدية، وعلى الأخص تلك الصغيرة منها، بأن سكانها يعيشون حالة مغرقة في العزلة الاجتماعية، حيث تصنف السويد كواحدة من دول قليلة حول العالم تتسم بالخصوصية الشديدة لمواطنيها، حتى إنهم منعزلون لا يعرفون بعضهم البعض في المبنى السكني الذي يجمعهم.
غالبًا ما تصادف جارك في المصعد خلال نزولك للذهاب إلى عملك أو عودتك منه، ولكن خلال رحلة المصعد نزولا أو صعودًا يتوقف أحيانًا في أحد الطوابق وينفتح الباب على جار سويدي يكتفي بالدخول إلى المصعد، ومن ثم يستدير مواجهًا الباب الذي ينغلق، وكأنك مثل أي قطعة من قطع المصعد، لا يلقي عليك التحية، ولا يكترث حتى لوجودك.
يزداد الأمر صعوبة في مدن الشمال السويدي الصغيرة، ففي مدينة لوليو (يسكنها 80 ألف نسمة وتبعد 150 كلم جنوب الدائرة القطبية الشمالية)، التي تشرق فيها الشمس 3 ساعات فقط يوميًا خلال الشتاء، وتهبط درجات الحرارة فيها إلى نحو 10 رجات دون الصفر في الشهر الحالي، تبدو حتى فرصة اللقاء بين الناس مصادفة نادرة.
وبادرت بلدية المدينة إلى إطلاق مبادرة يراد منها كسر انطوائية السكان، حيث تحثهم على تبادل التحية وإطلاقها لبعضهم بعضًا.
يقول تعليق على إعلان نشرته البلدية «إلقاء التحية على جيرانك خطوة بسيطة لكنها تسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية».
حملة الـ30 يومًا
تستمر الحملة طوال ديسمبر الحالي، ويبث الإعلان الذي يدعو إليها في باصات النقل وعلى مباني المدينة.
ويعلل مسؤولون «يميل السويديون أحيانًا إلى الانغلاق أكثر على أنفسهم.. ربما بسبب طبيعة الطقس التي لا تسمح بالبقاء في الخارج، أو بسبب قلة السكان وطبيعة الإنسان، ولكن يجب إيجاد طرق للتواصل بين الناس»
مخاوف جدية
وفقًا لدراسات فإن المراهقين والشباب من 16 وحتى 29 سنة معرضون أكثر من بقية الفئات العمرية للوحدة، ومن هنا دخلت المدارس الثانوية على خط الحملة، وتقدم عروضًا لفيديو الحملة الذي يشجع على تبادل التحية.
هروب نحو الدفء الاجتماعي
في وقت يتقبل فيه السويديون موضوع الانغلاق بكثير من القناعة، يبدو الأمر مزعجًا على الأخص لأولئك القادمين من دول أخرى، على الأخص دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث تعج حياتهم في بلدانهم الأصلية بالدفء الاجتماعي والحرص على الانفتاح على الآخر.
وفي السويد التي يبلغ سكانها نحو 10 ملايين نسمة، بينهم نحو مليون قادم من دول أخرى يتكدس الناس في المدن الجنوبية، ويعزفون عن الذهاب شمالا، فمدن الجنوب أكثر دفئًا على مستوى درجات الحرارة، وعلى مستوى الصلات الاجتماعية، لذا يفضلها معظم اللاجئين على الأخص القادمين من الدول العربية والشرق الأوسط وتركيا على بقية المدن.
يقول حسان قواف، وهو لاجئ قادم من بلد عربي حصل قبل سنة تقريبًا على الجنسية السويدية: «ما إن حصلت على الجنسية حتى فكرت بمغادرة السويد. انتقلت قبل أشهر عدة إلى إيطاليا، ها هنا يجلس الناس على الأرصفة، يتبادلون الضحكات والنكات.. كثيرُا ما تستوقفني البعض وأنا في طريقي إلى البيت ويقدمن لي القهوة، هذه أشياء كنت أفتقدها كثيرًا في السويد».
هجرة عكسية
إضافة إلى عوامل أخرى عدة، مثل الخوف على الأبناء من تدخلات دائرة الخدمات الاجتماعية، لعبت العزلة والانغلاق في السويد في إطلاق ما بات يعرف اليوم بظاهرة «الهجرة العكسية»، حيث ينتظر كثيرون ممن لجأوا إلى السويد قبل سنوات قليلة حصولهم على جنسيتها ليهاجروا منها بحثًا عن بلدان تمنحهم دفئًا اجتماعيُا، وتواصلا أفضل.
وبات النقاش في مثل هذا الأمر علنيًا على كثير من صفحات التواصل الاجتماعي، حيث كثيرًا ما يطرح السؤال «ما هي البلد التي ترشحونها لنا لأننا نريد مغادرة السويد؟».
أنوار مطفأة
يهبط المساء مبكرًا على المدن السويدية، فمنذ الساعة (16:00) بالتوقيت المحلي يحل الظلام ويشتد.
يقول محمد نور «حين وصلت السويد قبل ثلاث سنوات كنت أستغرب أن كل أنوار العمارة المقابلة تنطفئ الواحد تلو الآخر مبكرُا جدُا، لاحقًا عرفت أن كل بيت يقطنه شخص أو اثنين، ولو كانت العائلة كبيرة فهي تضم كذلك ابنًا وابنة على الأكثر. إنهم يعيشون بلا تواصل ولا زيارات، الأمر مختلف عما عرفناه في بلداننا، هناك يمكن أن تتبادل الحديث مع أي عابر، وكثيرًا ما تخلق الصداقات من مجرد إلقاء التحية أو ردها».
ـ مدن سويدية تطلق حملة لإطلاق التحية.
ـ البلديات تنظم الحملة بإعلان فيديو يذاع في الحافلات وعلى العمارات.
ـ المدارس الثانوية تشارك في الحملة وتركز على طلابها.
ـ الانغلاق والعزلة تميز المجتمع السويدي.
ـ الانغلاق يدفع كثيرين ممن لجأوا إلى السويد إلى الهجرة العكسية.
يبدو أن هذا هو الحال في عدد من المدن في السويد، حيث تنظم البلديات حملة بدأت منذ أيام لحث السكان على تبادل التحية.
مقابل الدفء والمبادرة التي تعرفها مجتمعاتنا، ومقابل «إفشاء السلام» و«تبسمك في وجه أخيك صدقة»، وهي من السنن في ديننا، والتي دأبت عليها مجتمعاتنا حتى ليكاد المرء يلقي التحية على عشرات الأشخاص ممن يعرف ولا يعرف بمجرد أن يقطع الشارع أمام باب بيته أو يسير قليلا على ممشى، ثمة انعزال شديد يتباين في مجتمعات أخرى، ويصل إلى حد الانغلاق في بعض البلدان، وعلى الأخص تلك التي تقع على مشارف أو داخل عمق مناطق الشمال الباردة القريبة من القطب الشمالي، وكأن برودة الطقس تنعكس على طباع الناس.
انعزال حاد
تمتاز المدن السويدية، وعلى الأخص تلك الصغيرة منها، بأن سكانها يعيشون حالة مغرقة في العزلة الاجتماعية، حيث تصنف السويد كواحدة من دول قليلة حول العالم تتسم بالخصوصية الشديدة لمواطنيها، حتى إنهم منعزلون لا يعرفون بعضهم البعض في المبنى السكني الذي يجمعهم.
غالبًا ما تصادف جارك في المصعد خلال نزولك للذهاب إلى عملك أو عودتك منه، ولكن خلال رحلة المصعد نزولا أو صعودًا يتوقف أحيانًا في أحد الطوابق وينفتح الباب على جار سويدي يكتفي بالدخول إلى المصعد، ومن ثم يستدير مواجهًا الباب الذي ينغلق، وكأنك مثل أي قطعة من قطع المصعد، لا يلقي عليك التحية، ولا يكترث حتى لوجودك.
يزداد الأمر صعوبة في مدن الشمال السويدي الصغيرة، ففي مدينة لوليو (يسكنها 80 ألف نسمة وتبعد 150 كلم جنوب الدائرة القطبية الشمالية)، التي تشرق فيها الشمس 3 ساعات فقط يوميًا خلال الشتاء، وتهبط درجات الحرارة فيها إلى نحو 10 رجات دون الصفر في الشهر الحالي، تبدو حتى فرصة اللقاء بين الناس مصادفة نادرة.
وبادرت بلدية المدينة إلى إطلاق مبادرة يراد منها كسر انطوائية السكان، حيث تحثهم على تبادل التحية وإطلاقها لبعضهم بعضًا.
يقول تعليق على إعلان نشرته البلدية «إلقاء التحية على جيرانك خطوة بسيطة لكنها تسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية».
حملة الـ30 يومًا
تستمر الحملة طوال ديسمبر الحالي، ويبث الإعلان الذي يدعو إليها في باصات النقل وعلى مباني المدينة.
ويعلل مسؤولون «يميل السويديون أحيانًا إلى الانغلاق أكثر على أنفسهم.. ربما بسبب طبيعة الطقس التي لا تسمح بالبقاء في الخارج، أو بسبب قلة السكان وطبيعة الإنسان، ولكن يجب إيجاد طرق للتواصل بين الناس»
مخاوف جدية
وفقًا لدراسات فإن المراهقين والشباب من 16 وحتى 29 سنة معرضون أكثر من بقية الفئات العمرية للوحدة، ومن هنا دخلت المدارس الثانوية على خط الحملة، وتقدم عروضًا لفيديو الحملة الذي يشجع على تبادل التحية.
هروب نحو الدفء الاجتماعي
في وقت يتقبل فيه السويديون موضوع الانغلاق بكثير من القناعة، يبدو الأمر مزعجًا على الأخص لأولئك القادمين من دول أخرى، على الأخص دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث تعج حياتهم في بلدانهم الأصلية بالدفء الاجتماعي والحرص على الانفتاح على الآخر.
وفي السويد التي يبلغ سكانها نحو 10 ملايين نسمة، بينهم نحو مليون قادم من دول أخرى يتكدس الناس في المدن الجنوبية، ويعزفون عن الذهاب شمالا، فمدن الجنوب أكثر دفئًا على مستوى درجات الحرارة، وعلى مستوى الصلات الاجتماعية، لذا يفضلها معظم اللاجئين على الأخص القادمين من الدول العربية والشرق الأوسط وتركيا على بقية المدن.
يقول حسان قواف، وهو لاجئ قادم من بلد عربي حصل قبل سنة تقريبًا على الجنسية السويدية: «ما إن حصلت على الجنسية حتى فكرت بمغادرة السويد. انتقلت قبل أشهر عدة إلى إيطاليا، ها هنا يجلس الناس على الأرصفة، يتبادلون الضحكات والنكات.. كثيرُا ما تستوقفني البعض وأنا في طريقي إلى البيت ويقدمن لي القهوة، هذه أشياء كنت أفتقدها كثيرًا في السويد».
هجرة عكسية
إضافة إلى عوامل أخرى عدة، مثل الخوف على الأبناء من تدخلات دائرة الخدمات الاجتماعية، لعبت العزلة والانغلاق في السويد في إطلاق ما بات يعرف اليوم بظاهرة «الهجرة العكسية»، حيث ينتظر كثيرون ممن لجأوا إلى السويد قبل سنوات قليلة حصولهم على جنسيتها ليهاجروا منها بحثًا عن بلدان تمنحهم دفئًا اجتماعيُا، وتواصلا أفضل.
وبات النقاش في مثل هذا الأمر علنيًا على كثير من صفحات التواصل الاجتماعي، حيث كثيرًا ما يطرح السؤال «ما هي البلد التي ترشحونها لنا لأننا نريد مغادرة السويد؟».
أنوار مطفأة
يهبط المساء مبكرًا على المدن السويدية، فمنذ الساعة (16:00) بالتوقيت المحلي يحل الظلام ويشتد.
يقول محمد نور «حين وصلت السويد قبل ثلاث سنوات كنت أستغرب أن كل أنوار العمارة المقابلة تنطفئ الواحد تلو الآخر مبكرُا جدُا، لاحقًا عرفت أن كل بيت يقطنه شخص أو اثنين، ولو كانت العائلة كبيرة فهي تضم كذلك ابنًا وابنة على الأكثر. إنهم يعيشون بلا تواصل ولا زيارات، الأمر مختلف عما عرفناه في بلداننا، هناك يمكن أن تتبادل الحديث مع أي عابر، وكثيرًا ما تخلق الصداقات من مجرد إلقاء التحية أو ردها».
ـ مدن سويدية تطلق حملة لإطلاق التحية.
ـ البلديات تنظم الحملة بإعلان فيديو يذاع في الحافلات وعلى العمارات.
ـ المدارس الثانوية تشارك في الحملة وتركز على طلابها.
ـ الانغلاق والعزلة تميز المجتمع السويدي.
ـ الانغلاق يدفع كثيرين ممن لجأوا إلى السويد إلى الهجرة العكسية.