يكشف البروفيسور أماتزيا بارام الأستاذ الفخري لتاريخ الشرق الأوسط، مدير مركز دراسات العراق في جامعة حيفا عن أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين قدم اقتراحا نوقش في اجتماع عقدته القيادة القومية لحزب البعث في يوليو 1986 لعقد «تحالف سري» مع الإخوان المسلمين في السودان ومصر، وكان ذلك يعني أن الحزب «العلماني» سيتوقف لأول مرة في تاريخه عن مهاجمة الإسلاميين وسيتسامح مع نشاطاتهم بالرغم من كون الإسلامويين السنة والشيعة في ذلك الوقت من أشد وأصلب أعداء حزب البعث. ويكشف الدكتور حمد العيسى عن دراسة أعدها بارام، ونشرها مركز وودرو ويلسون العالمي للعلماء، تبين هذه الحقيقة، وهي دراسة وصفها العيسى بأنها «نادرة» ومهمة خصوصا أن بارام يعد من أهم خبراء العالم في تاريخ «العراق ـ البعثي».
دعم للإخوان في سوريا
منذ عام 1982 تعاون حزب البعث فرع العراق مع الإخوان المسلمين في سوريا ضد نظام حافظ الأسد البعثي في سوريا، وكان هذا التعاون سريًا باتفاق الطرفين.
ولكن اقتراح صدام حسين تم الكشف عنه بالاستناد إلى تسجيلات صوتية لاجتماع القيادة القومية لحزب البعث وهي السلطة الأعلى في الحزب، وكان صدام حينئذ نائبًا لرئيس الجمهورية ونائبًا للأمين العام للحزب.
وبالرغم من أن مشكلة التسجيلات الصوتية تمثلت في عدم معرفة هوية المتحدثين بدقة بل على وجه التخمين، فإن مركز أبحاث سجلات النزاع (ماسن) في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن قام بالتخمين لمعرفة المتحدثين بمهارة ودقة وبمساعدة خبراء عراقيين.
اقتراح بمثابة عار
يعد اقتراح صدام بمثابة منزلة عار أو لعنة لحزب علماني كان يستمد شرعيته من تعاليم المفكر المسيحي ميشيل عفلق (يفترض كثيرون أنه كان ملحدًا آنذاك).
لكن صدام لجأ إلى هذا الاقتراح لشعوره عام 1986 بحاجة نظامه إلى دعم إسلاموي شعبي، فقد كان ذاك العام فظيعًا لنظام البعث العراقي الذي كان يواجه إيران في حرب طويلة، وكان قد خسر شبه جزيرة الفاو وهي منفذه على الخليج وكانت هناك توقعات بأنه سيخسر الحرب ضد إيران التي كانت تعمل كذلك على تشويه سمعة البعث الدينية. في الاجتماع المشار إليه اقترح أحد المشاركين أن يطلب العراق من بعض قيادات الإخوان السورية السفر إلى مصر والسودان لـ«تبييض وتجميل» صورة «البعث العراقي» وأن يؤكدوا أن عفلق ليس ملحدًا.. وقد تمت الموافقة على الاقتراح.
الصيف اللاهب
عقد صدام حسين في يوم صيف حار عام 1986 في بغداد اجتماعًا للقيادة القومية، عرض فيه القيام بتغيير هائل في سياسة العراق الخارجية.
وتمثل اقتراح صدام بإبرام مصالحة تصل إلى درجة التحالف السري مع الإخوان المسلمين في السودان ومصر، وذلك في وقت كان العراق يخوض فيه حربًا وجودية شرسة ضد نظام الخميني الإسلاموي. كان صدام يسعى للحصول على موافقة القيادة القومية للاعتراف بجماعتي الإخوان السودانية والمصرية والتعامل معهما كأنداد، ويؤدي هذا إلى اعتراف البعث أو على الأقل تسامحه مع فكرة الإخوان المسلمين عن ضرورة قيام الدولة الإسلامية، وهو ما فعله صدام بالفعل لاحقًا.
وصول متأخر
وصل طارق عزيز العضو المسيحي الوحيد في القيادة القومية متأخرًا إلى الاجتماع، ولم يسمع تصريحات صدام عند بداية الاجتماع التي تفيد بأن معارضة تحسين العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين لم تعد خيارًا، ولم يدرك أنه كان يعارض مقترح صدام حين استند إلى خطب صدام نفسه التي ألقاها عام 1977 وذّكر المجتمعين أن صدام شرح بوضوح في السبعينيات موقف الحزب من الدين وهو موقف يتعارض 180 درجة مع موقف الإخوان المسلمين.
نقاش خطير
حتى وقت قريب، لم يكن هذا النقاش الحاسم والخطير معروفًا، لكن التسجيلات الصوتية التي عثرت عليها القوات الأمريكية في بغداد عام 2003 ومعها كذلك وثائق ورقية سرية جدًا وتسجيلات ومرئية لاجتماعات حزبية وعسكرية وحكومية سرية كشفت الكثير مما كان يجري.
حزب مهدد بالانقسام
أمعن طارق عزيز خلال الاجتماع بوصف الأنشطة المسلحة لمظاهرات الشيعة في عام 1977 وكان مصيبًا عندما تحدث عن التهديد الأيديولوجي -السياسي التي مثلته تلك الأنشطة. لقد شكلت تلك المظاهرات تحديا مزدوجًا ضد نظام البعث.
لقد اندلعت في النجف وكربلاء في فبراير 1977 أعنف أعمال شغب شيعية منذ وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1968 وقمع النظام أعمال الشغب تلك بعنف دموي وساق قادة الانتفاضة إلى المحاكمة.
وكان يمكن لأعمال الشغب التي جرت عام 1977 أن تقسم الحزب على أسس طائفية. فالهجوم والقمع العنيف والمباشر ضد الإسلامويين الشيعة كان محفوفًا بالمخاطر، لأنه يمكن تفسيره بسهولة كهجوم ضد المذهب الشيعي.
ولو صدرت تلك الهجمات عن القادة السياسيين في وسائل الإعلام، فإن هذه الهجمات يمكنها تقسيم الحزب وخلق فجوة لا يمكن ردمها بين النظام وأكثر من نصف سكان العراق ولذلك، قرر صدام الهجوم المباشر وجها لوجه ضد الإسلامويين من جميع الأنواع، وهي إستراتيجية وحدت جميع نشطاء الحزب من الشيعة وكذلك السنة. وهكذا
أصبح الدفاع عن العلمانية وسيلة لمواجهة قيادة إسلاموية منافسة خطرة تتمثل في العلماء الشيعة (أكثر تطرفًا من علماء السنة).
علمانية الحزب مقابل الإسلام
قدم صدام أواخر 1977 سلسلة محاضرات عن عقيدة الحزب والعلاقة بين الإسلام والسياسة. ونأى صدام، مثل ميشيل عفلق مؤسس الحزب، بنفسه عن الإلحاد، ولكنه حذر من أي محاولة لتقليد الأحزاب الإسلاموية، السنية والشيعية على حد سواء. وأكد صدام أن البعث لا يخلط بين الدين والسياسة، وقال «حزبنا مع الإيمان، ولكنه ليس حزبًا دينيًا، ولا ينبغي له أن يكون كذلك»، وعرف صدام الشريعة بالفقه القديم، وأكد أنها غير ملائمة للحياة في العصر الحديث، وحذر من أن «التوجه نحو الإسلام لن ينتج عنه سوى انقسام بين السنة والشيعة»، وأشار ضمنا إلى «أن البعث وعقيدته العلمانية جاء ليحل محل الإسلام في العصر الحديث». وأوضح صدام بطريقة حذرة أن تقديم أي تنازلات لمطالب الإسلامويين سيؤدي حتمًا إلى أن يفقد حزب البعث السلطة.
دعم للإخوان في سوريا
منذ عام 1982 تعاون حزب البعث فرع العراق مع الإخوان المسلمين في سوريا ضد نظام حافظ الأسد البعثي في سوريا، وكان هذا التعاون سريًا باتفاق الطرفين.
ولكن اقتراح صدام حسين تم الكشف عنه بالاستناد إلى تسجيلات صوتية لاجتماع القيادة القومية لحزب البعث وهي السلطة الأعلى في الحزب، وكان صدام حينئذ نائبًا لرئيس الجمهورية ونائبًا للأمين العام للحزب.
وبالرغم من أن مشكلة التسجيلات الصوتية تمثلت في عدم معرفة هوية المتحدثين بدقة بل على وجه التخمين، فإن مركز أبحاث سجلات النزاع (ماسن) في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن قام بالتخمين لمعرفة المتحدثين بمهارة ودقة وبمساعدة خبراء عراقيين.
اقتراح بمثابة عار
يعد اقتراح صدام بمثابة منزلة عار أو لعنة لحزب علماني كان يستمد شرعيته من تعاليم المفكر المسيحي ميشيل عفلق (يفترض كثيرون أنه كان ملحدًا آنذاك).
لكن صدام لجأ إلى هذا الاقتراح لشعوره عام 1986 بحاجة نظامه إلى دعم إسلاموي شعبي، فقد كان ذاك العام فظيعًا لنظام البعث العراقي الذي كان يواجه إيران في حرب طويلة، وكان قد خسر شبه جزيرة الفاو وهي منفذه على الخليج وكانت هناك توقعات بأنه سيخسر الحرب ضد إيران التي كانت تعمل كذلك على تشويه سمعة البعث الدينية. في الاجتماع المشار إليه اقترح أحد المشاركين أن يطلب العراق من بعض قيادات الإخوان السورية السفر إلى مصر والسودان لـ«تبييض وتجميل» صورة «البعث العراقي» وأن يؤكدوا أن عفلق ليس ملحدًا.. وقد تمت الموافقة على الاقتراح.
الصيف اللاهب
عقد صدام حسين في يوم صيف حار عام 1986 في بغداد اجتماعًا للقيادة القومية، عرض فيه القيام بتغيير هائل في سياسة العراق الخارجية.
وتمثل اقتراح صدام بإبرام مصالحة تصل إلى درجة التحالف السري مع الإخوان المسلمين في السودان ومصر، وذلك في وقت كان العراق يخوض فيه حربًا وجودية شرسة ضد نظام الخميني الإسلاموي. كان صدام يسعى للحصول على موافقة القيادة القومية للاعتراف بجماعتي الإخوان السودانية والمصرية والتعامل معهما كأنداد، ويؤدي هذا إلى اعتراف البعث أو على الأقل تسامحه مع فكرة الإخوان المسلمين عن ضرورة قيام الدولة الإسلامية، وهو ما فعله صدام بالفعل لاحقًا.
وصول متأخر
وصل طارق عزيز العضو المسيحي الوحيد في القيادة القومية متأخرًا إلى الاجتماع، ولم يسمع تصريحات صدام عند بداية الاجتماع التي تفيد بأن معارضة تحسين العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين لم تعد خيارًا، ولم يدرك أنه كان يعارض مقترح صدام حين استند إلى خطب صدام نفسه التي ألقاها عام 1977 وذّكر المجتمعين أن صدام شرح بوضوح في السبعينيات موقف الحزب من الدين وهو موقف يتعارض 180 درجة مع موقف الإخوان المسلمين.
نقاش خطير
حتى وقت قريب، لم يكن هذا النقاش الحاسم والخطير معروفًا، لكن التسجيلات الصوتية التي عثرت عليها القوات الأمريكية في بغداد عام 2003 ومعها كذلك وثائق ورقية سرية جدًا وتسجيلات ومرئية لاجتماعات حزبية وعسكرية وحكومية سرية كشفت الكثير مما كان يجري.
حزب مهدد بالانقسام
أمعن طارق عزيز خلال الاجتماع بوصف الأنشطة المسلحة لمظاهرات الشيعة في عام 1977 وكان مصيبًا عندما تحدث عن التهديد الأيديولوجي -السياسي التي مثلته تلك الأنشطة. لقد شكلت تلك المظاهرات تحديا مزدوجًا ضد نظام البعث.
لقد اندلعت في النجف وكربلاء في فبراير 1977 أعنف أعمال شغب شيعية منذ وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1968 وقمع النظام أعمال الشغب تلك بعنف دموي وساق قادة الانتفاضة إلى المحاكمة.
وكان يمكن لأعمال الشغب التي جرت عام 1977 أن تقسم الحزب على أسس طائفية. فالهجوم والقمع العنيف والمباشر ضد الإسلامويين الشيعة كان محفوفًا بالمخاطر، لأنه يمكن تفسيره بسهولة كهجوم ضد المذهب الشيعي.
ولو صدرت تلك الهجمات عن القادة السياسيين في وسائل الإعلام، فإن هذه الهجمات يمكنها تقسيم الحزب وخلق فجوة لا يمكن ردمها بين النظام وأكثر من نصف سكان العراق ولذلك، قرر صدام الهجوم المباشر وجها لوجه ضد الإسلامويين من جميع الأنواع، وهي إستراتيجية وحدت جميع نشطاء الحزب من الشيعة وكذلك السنة. وهكذا
أصبح الدفاع عن العلمانية وسيلة لمواجهة قيادة إسلاموية منافسة خطرة تتمثل في العلماء الشيعة (أكثر تطرفًا من علماء السنة).
علمانية الحزب مقابل الإسلام
قدم صدام أواخر 1977 سلسلة محاضرات عن عقيدة الحزب والعلاقة بين الإسلام والسياسة. ونأى صدام، مثل ميشيل عفلق مؤسس الحزب، بنفسه عن الإلحاد، ولكنه حذر من أي محاولة لتقليد الأحزاب الإسلاموية، السنية والشيعية على حد سواء. وأكد صدام أن البعث لا يخلط بين الدين والسياسة، وقال «حزبنا مع الإيمان، ولكنه ليس حزبًا دينيًا، ولا ينبغي له أن يكون كذلك»، وعرف صدام الشريعة بالفقه القديم، وأكد أنها غير ملائمة للحياة في العصر الحديث، وحذر من أن «التوجه نحو الإسلام لن ينتج عنه سوى انقسام بين السنة والشيعة»، وأشار ضمنا إلى «أن البعث وعقيدته العلمانية جاء ليحل محل الإسلام في العصر الحديث». وأوضح صدام بطريقة حذرة أن تقديم أي تنازلات لمطالب الإسلامويين سيؤدي حتمًا إلى أن يفقد حزب البعث السلطة.