أرغب أن أتحدث عن کثرة محاولات التحدیث التي مارسها العرب خلال المراحل الزمنیة الماضیة، بهدف تشخیص الواقع العربي.
والكلام عن التحدیث دون تخصص نواحیه ومجالاته مضیعة للوقت والجهد، غیر أنه لیس تحدیثا في المطلق بل یندرج في إطار المشروع الحضاري العربي، وهو مشروع قائم مهما تكاثرت أسباب الشك فیه، لأن العرب دون مشروع حضاري یقوم علی التحدیث سوف یقعون أسرى مشروعات سلفیة أو تقلیدیة أو دکتاتوریة، فیتباعد ما بینهم وبین التطور الحضاري الذي تتراکم منجزاته منذ أکثر من قرنین دون أن نستطیع سد الفجوة الحضاریة بیننا وبین المجتمعات المتقدمة.
وتقتضي ظروف التحدیث أن تكون الدولة القومیة الواحدة للأمة العربیة هي حاضنة المشروع الثقافي العربي، لأنها وحدها هذه الدولة الموحدة القادرة علی تقدیم الأساس المادي للحداثة، غیر أن العرب لم یجمعوا علی مشروع، ولم یحددوا حتی مواصفاته، مع أن شرط المشروع الحضاري أن یحظی بالإجماع بوصفه مبدأ تعتمده الأمة لتضعه في حیز الممارسة، لكن فقدان الاتفاق علی أي شيء کاد یصیر سمة عربیة ثابتة یعتمد علیها العدو ویحار فیها الصدیق.
إن تقریر المصیر لیس مفهوما مجردا في عالم الحقوق وإنما هو دلیل تاریخي یوجه المجتمع ویحدد الجماعات التي تقبل أن تتلاحم علی هدي المبدأ القومي، فتجعل الأرض مشترکة بلا حدود وتعتمد علی الثقافة المشترکة، لخلق فكر مشترك للتاریخ والمستقبل، لأن الفهم المشترك للتاریخ هو الذي خلق التاریخ المشترك، کما أن النظرة الموحدة للمستقبل تحدد أهدافها، والإجماع فیما بینها علی تحقیق تلك الأهداف، وعلی أن تكون لدیهم العزیمة الكافیة لتحقیق هذه الخطوات.
ولكي نعید للتاریخ حرکته نحو التقدم، لا بد أن نضع للتاریخ عقلا، ذلك أن العرب حاولوا أن یخضعوا حیاتهم لقواعد العقل والمنطق والعلم، فمنذ أربعينيات القرن الماضي أسسوا جامعة الدول العربیة، وصنعوا میثاق الدفاع العربي المشترك، وحاولوا أن یخلقوا أسواقا اقتصادیة عربیة، ومضوا مع العقل إلی أبعد الحدود، حاربوا الجهل بتأسیس المدارس والجامعات، قاوموا الاستعمار، تصدوا لهجمات الغرب بتضامن عربي فعال في لحظات من تاریخهم، وأوجدوا لأنفسهم أصدقاء بین الدول الكبری والأمم المتقدمة، لنصرة قضایاهم وخاصة قضیة فلسطین، وعاشوا لحظات انتصار في حرب أکتوبر 73 ورفع أسعار البترول، ولكنهم لم یوفقوا في أن یستثمروا کل ذلك، لغیاب مشروع قومي متكامل صادق وواقعي، ذلك لأنهم یرون في کل تغییر خطرا علیهم.
وفي هذا الوضع غیر المنطقي، وهذه النتائج المحبطة، یبدو العالم خاویا، وتفقد الجماعات الإحساس بذاتها، ویغیب عن العقول معنی کفاح الأمم لتأکید ذاتها وتقریر مصیرها. ولكن دورة الحیاة تدور ولا تتوقف، وعلی ظهرها أمة عربیة تشغل کماً من مساحتها. أمة ستجد نفسها في حداثتها، وتحقق قومیتها، وتشرف من ذروة حضارتها الشاهقة علی مستقبل أشد إبداعا. فإذا أنجزنا نكون قد أنجزنا التحدیث، وعندها یتكلم أحفادنا عما بعد الحداثة، وعما بعد القومیة.
ذلك أننا نكون وقتها قد حققنا قومیتنا بجهدنا وإبداعنا ونضالنا، فتتشكل بتشكل تاریخنا وتتقدم بتقدم تفكیرنا، ولا یتم اکتمالها إلا بقیام الدولة القومیة الموحدة، والحاضنة للمشروع الحضاري العربي في البدء وفي المنتهی.
والكلام عن التحدیث دون تخصص نواحیه ومجالاته مضیعة للوقت والجهد، غیر أنه لیس تحدیثا في المطلق بل یندرج في إطار المشروع الحضاري العربي، وهو مشروع قائم مهما تكاثرت أسباب الشك فیه، لأن العرب دون مشروع حضاري یقوم علی التحدیث سوف یقعون أسرى مشروعات سلفیة أو تقلیدیة أو دکتاتوریة، فیتباعد ما بینهم وبین التطور الحضاري الذي تتراکم منجزاته منذ أکثر من قرنین دون أن نستطیع سد الفجوة الحضاریة بیننا وبین المجتمعات المتقدمة.
وتقتضي ظروف التحدیث أن تكون الدولة القومیة الواحدة للأمة العربیة هي حاضنة المشروع الثقافي العربي، لأنها وحدها هذه الدولة الموحدة القادرة علی تقدیم الأساس المادي للحداثة، غیر أن العرب لم یجمعوا علی مشروع، ولم یحددوا حتی مواصفاته، مع أن شرط المشروع الحضاري أن یحظی بالإجماع بوصفه مبدأ تعتمده الأمة لتضعه في حیز الممارسة، لكن فقدان الاتفاق علی أي شيء کاد یصیر سمة عربیة ثابتة یعتمد علیها العدو ویحار فیها الصدیق.
إن تقریر المصیر لیس مفهوما مجردا في عالم الحقوق وإنما هو دلیل تاریخي یوجه المجتمع ویحدد الجماعات التي تقبل أن تتلاحم علی هدي المبدأ القومي، فتجعل الأرض مشترکة بلا حدود وتعتمد علی الثقافة المشترکة، لخلق فكر مشترك للتاریخ والمستقبل، لأن الفهم المشترك للتاریخ هو الذي خلق التاریخ المشترك، کما أن النظرة الموحدة للمستقبل تحدد أهدافها، والإجماع فیما بینها علی تحقیق تلك الأهداف، وعلی أن تكون لدیهم العزیمة الكافیة لتحقیق هذه الخطوات.
ولكي نعید للتاریخ حرکته نحو التقدم، لا بد أن نضع للتاریخ عقلا، ذلك أن العرب حاولوا أن یخضعوا حیاتهم لقواعد العقل والمنطق والعلم، فمنذ أربعينيات القرن الماضي أسسوا جامعة الدول العربیة، وصنعوا میثاق الدفاع العربي المشترك، وحاولوا أن یخلقوا أسواقا اقتصادیة عربیة، ومضوا مع العقل إلی أبعد الحدود، حاربوا الجهل بتأسیس المدارس والجامعات، قاوموا الاستعمار، تصدوا لهجمات الغرب بتضامن عربي فعال في لحظات من تاریخهم، وأوجدوا لأنفسهم أصدقاء بین الدول الكبری والأمم المتقدمة، لنصرة قضایاهم وخاصة قضیة فلسطین، وعاشوا لحظات انتصار في حرب أکتوبر 73 ورفع أسعار البترول، ولكنهم لم یوفقوا في أن یستثمروا کل ذلك، لغیاب مشروع قومي متكامل صادق وواقعي، ذلك لأنهم یرون في کل تغییر خطرا علیهم.
وفي هذا الوضع غیر المنطقي، وهذه النتائج المحبطة، یبدو العالم خاویا، وتفقد الجماعات الإحساس بذاتها، ویغیب عن العقول معنی کفاح الأمم لتأکید ذاتها وتقریر مصیرها. ولكن دورة الحیاة تدور ولا تتوقف، وعلی ظهرها أمة عربیة تشغل کماً من مساحتها. أمة ستجد نفسها في حداثتها، وتحقق قومیتها، وتشرف من ذروة حضارتها الشاهقة علی مستقبل أشد إبداعا. فإذا أنجزنا نكون قد أنجزنا التحدیث، وعندها یتكلم أحفادنا عما بعد الحداثة، وعما بعد القومیة.
ذلك أننا نكون وقتها قد حققنا قومیتنا بجهدنا وإبداعنا ونضالنا، فتتشكل بتشكل تاریخنا وتتقدم بتقدم تفكیرنا، ولا یتم اکتمالها إلا بقیام الدولة القومیة الموحدة، والحاضنة للمشروع الحضاري العربي في البدء وفي المنتهی.