عواجي النعمي

جحا هو شخصية خيالية من التراث الشعبي، وتوجد هذه الشخصية في معظم الثقافات القديمة للشعوب. وشخصية جحا في تركيا وأرمينيا وبلغاريا ويوغسلافيا وإيران وإيطاليا ومالطا كلها ولدت متأخرة، وكانت مشتقة من شخصية جحا العربية إلى درجة أن كتاب نوادر جحا هو نفسه ذلك الكتاب المستخدم في نوادر الأمم الأخرى مع اختلاف أسماء المدن والملوك والتواريخ. ومن النوادر المنسوبة إلى جحا أن جاره كانت لديه غرفة واحدة يسكنها هو وزوجته وأطفاله فشكى إلى جحا سوء حاله وضيق معيشته، فطلب منه جحا أن يشتري حمارًا ويضعه معهم بالبيت، ثم سأله كيف الحال فقال الجار لقد ازداد الوضع سوءًا، فقال له اشتري الآن خروفًا وضعه معكم فازداد الوضع سوءًا، فطلب منه جحا أن يشتري في المرة الثالثة دجاجة ثم سأله كيف الحال؟ فقال الجار: لقد عزمت على الانتحار. فقال له جحا: لا تفعل ولكن بع الحمار. فلما باعه سأله كيف الحال؟ فأجابه الجار: لقد تحسن الوضع الحمد لله، فقال له: بع الخروف ومع بيع الخروف تحسن الحال أكثر، ثم طلب منه أن يبيع الدجاجة، فلما باعها سأله كيف الحال الآن؟ فقال له: الحمد لله لقد تحسن الحال كثيرًا، وأصبحنا في أفضل حال!

وقصة جحا الخيالية هذه تذكرنا بقصص واقعية يقوم بها جحا الحقيقي في عصرنا الحديث، وأقصد هيئة الأمم المتحدة والتي تسهم بشكل كبير في ماسي الشعوب والأمم دون إيجاد حلول عملية لمعاناتهم أو تخفيف لجراحهم. وعصبة الأمم المتحدة والتي تشكلت عقب الحرب العالمية الأولى، وكان الهدف من تأسيسها الحفاظ على السلم العالمي، فكانت السبب الرئيسي في قيام الحرب العالمية الثانية ومن ثم الحروب اللاحقة، وذلك بسبب فشلها في الاعتماد على الحقائق وعدم نهج المصداقية، وإرسال المراقبين غير المحايدين والذين لا يتمتعون بمعايير النزاهة والأمانة بل قد يكونوا حفنة من المأجورين ومدفوعي الثمن. وللأسف فهذه المنظمة لم تتعلم من أخطائها المتعاقبة ولم تحسن صورتها المهزوزة عالميا بل استمرت في نهجها في عدم الوضوح والبعد عن المصداقية ووقفت موقف المتفرج من مآسي الشعوب ومعاناة الأطفال وتهجير المجتمعات. إن اعتماد المنظمة على التقارير المفبركة في اتخاذ قراراتها وانصياعها لرأي القوى الكبيرة جعلها جهة ذات مصداقية أقل وغير مرحب بها أو بقراراتها بل انعكس ذلك على عدم تفعيل معظم القرارات الصادرة من قبلها. أما ما يحدث باليمن الشقيق حاليًا مثال حي على ذلك، فلا توجد جهة فاقمت الوضع باليمن وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية مثلما فعلت الأمم المتحدة، وذلك من خلال تقارير مبعوثيها. لقد رسم الدور الأممي في بداية الأزمة اليمنية علامات الاستفهام والتعجب ومع مرور الوقت أصبح واضحًا للشعب اليمني قباحة هذا الدور، وأن ما تقوم به المنظمة ليس إلا نوعًا من المؤامرات الدنيئة والتي تسير عكس مصلحة وإرادة الشعب اليمني العظيم. وأخيرًا لقد أصبح جليًا أن حلول الأمم المتحدة لمشاكل الشعوب، والأمم ليست بأحسن حالًا من حلول جحا مع جاره.