عواجي النعمي

السياسة لعبة مليئة بالأكاذيب، وآخر ما تجده في هذه اللعبة هو البحث عن الحقيقة وإثباتها. في دهاليز السياسة الحقيقة غير محبوبة، والكثير من أولئك السياسيين غير مهتمين بالبحث عن حقائق الأمور، بل إنهم يحترفون الأكاذيب والخداع، فمن وجهة نظرهم تلك هي السياسة بكل معانيها. إلا أن هناك قلة من أصحاب المبادئ والمُثل الذين يثبتون على مبادئهم وقيمهم، ويواجهون كل الزيف والأكاذيب، لأنهم يؤمنون دائما بذلك اليوم الذي يأتي، ويسقط فيه قناع الأكاذيب، وتظهر الحقيقة بجمالها الفاتن وسحرها المؤثر. ثم بعد ذلك تظهر حقيقة تلك الوجوه التي كانت تنشر الأكاذيب والضلالات، فيعرف العالم حقيقتها. إلا أن الأقنعة لا تتوب، فتعود مرة أخرى لتسلك طريقا آخر من المراوغة والمداهنة، وتحسين الصورة المشوهة. وأسهل طرق الكذب والخداع هو الحديث عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية الرأي والكرامة، وهم يعلمون يقينا أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن الكرامة لم تكن يوما خطابات رنانة وشعارات فضفاضة، وإنما حقيقة شعوب ومجتمعات تعيشها وتمارسها، وتفخر بها، لأنها أغلى ما تملك.

قبل أيام اعترفت نائبة في البرلمان البريطاني بتلقيها مبالغ من شركة محاماة من أجل مهاجمة السعودية في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان. ونشرت «الشرق الأوسط» بعد ذلك أن الأمر لم يقتصر على النائبة ليلى موران، وإنما أيضا تورط عدد من النواب البريطانيين في فضيحة تلقي الأموال من أجل مهاجمة المملكة، وتشويه سمعتها، مما دعا مجلس العموم البريطاني إلى استدعاء رئيس الوزراء، بوريس جونسون، الذي اقترح تعديل مدونة السلوك البرلمانية، لمنع مثل هذه التجاوزات الخطيرة. كما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز»، قبل أيام، مقالا عن براءة السعودية من التجسس على هاتف جيف بيزوس، مالك شركة «أمازون»، وأن الصور التي تم تسريبها من جواله كانت عن طريق شقيق صديقته مقابل 200 ألف دولار، حصل عليها لنشر تلك الصور. وفي المشهد اليمني، لم يعد خفيا الدور المشبوه التي تلعبه عناصر بهيئة الأمم المتحدة في عملية تهريب السلاح والقيادات الحوثية.

نحن شعب يصعب عليه العيش مع المتلونين، ولا يمكنه التآلف مع الخونة، ولا ينحني أمام كل الابتزازات والضغوط، وهذه أمور تجعلنا أمام سيل جارف من الأكاذيب والتهم، وأمام قصف تلك المنابر الإعلامية المستأجرة والمملوكة لأدعياء الفضيلة. كما لا ننكر أننا من مبدأ الكرم والأخوة والنبل، وحرصا على مصالح المجتمعات، وقفنا مع كل الدول في محنها، ودفعنا الغالي والرخيص، إلا أنه عندما سقطت تلك الأقنعة، هاجمنا بعضهم بألسنتهم الحادة، التي كنا نحسبها نصيرة لنا، وصدمونا بأفعالهم اللعينة، بعد أن كنا نحسبهم عونا لنا. ولعل هذه التجارب من نكران الجميل جعلتنا أقوى، وألهمتنا أن الثقة قد تسقط حتى فيمن كنا نراهم مقربين، وأن علينا أن نتفحص الوجوه، ونتأكد من غياب الأقنعة، وأن نركز على مصلحة الوطن والمجتمع أولا، وألا ننشغل بكل ردود الأفعال. فشكرا لتلك المواقف والأفعال التي أخبرتنا عن المخلصين، وكشفت وجوه الزيف والخداع، ورحم الله شاعرنا العربي إذ يقول:

جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي.