أبها: محمد الفهيد

رغم عدم وجود السعودية في قائمة الـ10 الأوائل الأكثر تسببا في الإضرار بالبيئة من خلال انبعاثات الغازات الدفيئة المتهم الأول فيما يعرف بقضية «التغير المناخي»، إلا أن هناك جوانب سياسية جعلت الدول الصناعية الكبرى تلقي بعض اللوم على الدول المصدرة للنفط، وهو الأمر الذي جعل بعض التكتلات الإعلامية التي تتخذ موقفا عدائيا من المملكة العربية السعودية تروّج هذه الفكرة، وتعمل على تكريسها كأنها واقع حقيقي وصادق، ويُرى ذلك جليا مع كل قمة لمنظمة أوبك، خصوصا تلك الجمعيات المهتمة بحماية البيئة، دون أن يكون هناك تركيز حقيقي وسليم على الدول المتسببة في الأزمة الحقيقية للمناخ، وهي الدول الأشد إضرارا بالبيئة وفق البيانات الرسمية الدولية ذات المصداقية والحياد.

وتقبع السعودية في المرتبة الـ11 من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميا، بنسبة لا تتخطى 1.45%، مما يتم إطلاقه عالميا، إذ أن هذه النسبة لا تقارن بما تصدره الصين على سبيل المثال، التي تتربع على قمة مصدري انبعاثات (CO2) بنسبة 29.18%.

جهود في التغير المناخي

تطرق تقرير صادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية للكاتبة عهود اللامي، إلى تدرج الاهتمام السياسي تاريخيا بقضية التغير المناخي، وحمل عنوان «التغير المناخي من العلم إلى دهاليز السياسة»، ويقول إنه «فيما يخص السعودية وموقعها في ظل التداول العالمي لقضية تغير المناخ، أتت المؤتمرات الأخيرة بشأن تغير المناخ في زمن تبني المملكة رؤية 2030، التي من أهدافها خفض اعتمادها على النفط بشكل كبير».

وتابع التقرير: « أن السعودية تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون السنوية لتصل إلى 130 مليون طن بحلول عام 2030 عبر الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، وهو ما تحقق فعليا على أرض الواقع حاليا، حيث أنشئت كثيراً من الاستثمارات في هذا الإطار».

ومنذ سنوات عمدت المملكة إلى الانضمام إلى كل حراك دولي في إطار البحث عن بدائل للطاقة تكون صديقة للبيئة فانضمت إلى عضوية المنتدى القيادي لعزل الكربون منذ عام 2005، ثم مبادرة الميثان العالمية في 2013، وتشارك بفاعلية في مبادرة الأربع مملكات لالتقاط الكربون وتخزينه (السعودية وبريطانيا وهولندا والنرويج).

ومؤخرا انطلقت في الرياض مبادرة «السعودية الخضراء»، وألحقتها بمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، اللتين أعلن عنهما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مارس 2021، ما يؤكد حرص المملكة على مكافحة التغير المناخي والتصحر وحماية البيئة عبر خفض الانبعاثات الكربونية، وتبنيها للخطط الزراعية لزراعة أكثر من 10 مليارات شجرة داخل المملكة، و40 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن كثير من المبادرات والاستثمارات في هذا الإطار.

تكتلات الدول الصناعية

تعد الجهود الدولية الفردية مهمة، ولكن بسبب التطورات في أجواء تراشق المسؤوليات بين الدول الصناعية الكبرى، جعل ذلك الدول النامية الأكثر تضررا من تغير المناخ، وتتحالف الدول الصناعية منذ بداية التسعينيات ليكون صوتها مسموعا في مؤتمرات الأمم المتحدة، بدأ بتشكل خطاب صيني هندي مشترك قد يطرح حيزا آخر للهم المشترك بين الدول المصدرة للنفط «أوبك» التي أنشأت تحالفها في البداية للتحكم في أسعار النفط، واليوم وجد مسبب آخر لتقوية التكتل للاستعداد للمؤتمرات الدولية بشأن تغير المناخ بما يحدد مسؤولية الدول المصدرة للنفط ويحفظ حقوقها.

التحجج بالنفط ونسيان الفحم الصخري

الحيلة السياسية التي اعتمدت عليها كثير من الدول الصناعية الكبرى هي إلقاء اللوم في التغير المناخي على المشتقات النفطية، ونسيان ما يعرف بأكبر ملوث للبيئة والهواء وهو «الفحم»، وغالبا ما تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه الحيلة، فرغم توقيعها على كثير من اتفاقيات المناخ مع دول أوروبية وغيرها، إلا أنها تتنصل منها، خصوصا عندما يتسلم دفة القيادة في البيت الأبيض رئيس جديد، ومن أبرز هذه الاتفاقيات (اتفاقية باريس)، وهي أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، وجاءت عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في العاصمة الفرنسية عام 2015، ودخلت حيز التنفيذ رسميا في 4 نوفمبر 2016.

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب قد انسحبت من الاتفاقية، ثم في فبراير الماضي عادت واشنطن للانضمام إلى الاتفاقية، إلتزاما بما وعده الرئيس الأمريكي جو بايدن، أثناء حملته الانتخابية، في وقت تهدف فيه الولايات المتحدة لخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030.

بالنسبة للفحم فإن الولايات المتحدة من الدول الكبرى التي تعتمد على الفحم في كثير من الصناعات، وتتعرض المحطات الكهربائية التي تعمل بالفحم إلى انتقاد متزايد بسبب ضررها للبيئة، وما تقوم به من تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري، وينشأ نحو 40% من غازات الاحتباس الحراري في أمريكا من إنتاج الطاقة الكهربائية، والتي تشكل المحطات العاملة بالفحم الحجري أهم مصادرها، وتجري محاولات في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل ابتكار تقنية لفصل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في طبقات عميقة تحت الأرض.

الصين أكبر منتج للفحم

أما الصين فهي أكبر منتج للفحم في العالم، لذا فهي أكبر مستهلك للطاقة في العالم، ويمد الفحم في الصين بـ60% من طاقتها الأولية، وبدورها طالبت الأمم المتحدة الصين بإغلاق المصانع التي تعمل بالفحم، لأن التأثير الأكبر والأطول مدى لاستخدام الفحم هو إطلاق ثاني أكسيد الكربون، وهو أحد غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ.

وكانت محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم المساهم العالمي الأكبر في نمو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام 2018، ما يعادل 40% من إجمالي انبعاثات الوقود الأحفوري، وأكثر من ربع مجموع الانبعاثات، ويمكن أن ينبعث من تعدين الفحم غاز الميثان، وهو غاز مؤذ آخر.

كوارث الفحم

في عام 2016، بلغ إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم من استخدام الفحم 14.5 جيجا طن، فمقابل كل ميجاواط في الساعة يتم توليدها، ينتج عن توليد الطاقة الكهربائية بحرق الفحم حوالي طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ضعف ما يقرب من 500 كجم من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من محطة كهربائية تعمل بالغاز الطبيعي.

في عام 2013، نصح رئيس وكالة المناخ التابعة للأمم المتحدة بضرورة ترك معظم احتياطيات الفحم في العالم في باطن الأرض لتجنب الاحتباس الحراري الكارثي، وللحفاظ على ظاهرة الاحتباس الحراري أقل من 1.5 درجة مئوية أو درجتين مئويتين، ستجبر مئات، أو ربما الآلاف، من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم إلى التقاعد مبكرا.

هل هي درجة أم درجتان؟

فيما يبدو، هناك تلاعب سياسي في درجة الاحترار العالمي إذ كانت كثير من التقارير العلمية تؤكد أن الاحترار العالمي فاق الدرجتين خلال آخر 100 عام، في حين أن الحقيقة خلاف ذلك، فهي لا تتخطى 1.5 درجة مئوية.

في أكتوبر 2018، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرا خاصا عن تأثيرات الاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية، حيث توصلت إلى أن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية سيتطلب تغييرات سريعة بعيدة المدى وغير مسبوقة في جميع جوانب المجتمع.

ويخلص التقرير إلى أن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية يتطلب تحولات «سريعة وبعيدة المدى» في الأرض والطاقة والصناعة والمباني والنقل والمدن.

ويشدد التقرير على ضرورة خفض الانبعاثات العالمية الصافية الناتجة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 45% عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، لتصل إلى «صافي الصفر» في حوالي عام 2050، وهذا يعني أنه يجب موازنة أي انبعاثات متبقية عن طريق إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

فساد التغير المناخي

أعاد هذا الأمر إلى الأذهان الفساد الذي حدث داخل قطاع التغير المناخي، وتحديدا فضيحة «كلايمت جيت»، التي انطوت على تسريب رسائل إلكترونية من «وحدة بحوث المناخ» في المملكة المتحدة عام 2009، عن أن عددا كبيرا من علماء المناخ البارزين حول العالم، كانوا متورطين في التلاعب بأدلة علمية، لغرض دعم استنتاجات مسبقة وأجندات شخصية.

وقد اتضح أن التحذيرات الصاخبة بشأن مختلف القضايا، بدءا من ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا وانتهاء بتقلص تعداد الدببة القطبية، لم تكن دائماً مدعوما بالحقائق العلمية.