انشغل بعض الناس بقضية الزوج القاتل زوجته، عندما أنزلها من سيارته، وضربها بحجر ثم دهسها، موجهين سهامهم لاتهامات مناطقية لا قيمة علمية لها، مجرد تعصب فاشي جهوي لمنطقة ضد أخرى، وغافلين عن الأسئلة العلمية التي يجب أن يشارك فيها علماء النفس والاجتماع والقانون. وفي هذا المقال محاولة لوضع تقميشات وهوامش لمن يفكر في البحث عن قراءة علمية.
على مستوى علم النفس الإكلينيكي، يذكر أن مجلس الشورى رفض توصية بشأن التوسع في فحص ما قبل الزواج، ليشمل فحص المخدرات والاعتلالات النفسية. وفي هذا الطرح مزيد من الضبط الإجرائي في قضايا الزواج، ولكنه في أحد أشكاله تحكم ربما له ارتدادات ثقيلة على المجتمع، خصوصا أن فحص المخدرات والاعتلالات النفسية لن يكون للرجل فقط، بل للمرأة أيضا، فالتوصية انشغلت بالرجل، متناسية أن الاختبار الصحي سيشمل المرأة، وانعكاساته عليها أسوأ بأضعاف انعكاساته على الرجل، ولهذا فالمراقبة والمعاقبة بالتوسع في اختبار ما قبل الزواج، ليشمل فحص المخدرات والاعتلالات النفسية للمقدمين على الزواج (رجل وامرأة)، لا يتناسب والواقع الاجتماعي «الذكوري» الذي يغفر للرجل زلته في الإدمان، بل وعلله النفسية، ولا يغفر للمرأة أي زلة.
بالنسبة لعلماء «القانون المدني»، فعليهم النظر في تجارب دول العالم في «تنظيم الأحوال الشخصية» والاستفادة منها، وأشير إلى علماء «القانون المدني»، لأن رجال الشريعة «التقليديين» ما زال بينهم من ينظر للأهلية الجنائية للمتهم وفق منطوق كتب التراث، بل إن منهم من يصر على اعتماد «القيافة» في إثبات النسب، معرضا عما وصل إليه علم «الأحياء الجزيئي» في تحليل الجينات، ولهذا خرجنا بالحديث عن رجال الشريعة «التقليديين»، الذين يعيشون بعقولهم في القرون الوسطى وإن كانت أجسادهم معنا، إلى علماء «قانون مدني» يستطيعون النظر فيما ينفع الناس وفق منظومة تدرك أنها مرتبطة بمواثيق واتفاقيات دولية لا علاقة لها بكل أدبيات «دار الإسلام ودار الحرب» الكلاسيكية، بالإضافة إلى تفادي ما قد يحصل من آراء فقهوية، تعيد لنا سخرية العالم أجمع، بما فيه العالم الإسلامي، على فتوى أحدهم عن «جواز رضاعة الكبير» كحل «شرعي» لظاهرة العمالة المنزلية.
بقينا في الدور المناط بعلماء الاجتماع في الجامعات السعودية، وخصوصا المتقاعدين منهم، لأنهم أكثر حرية في البحث العلمي، وفي إبداء آرائهم ممن يعيش إكراهات البيروقراطية الأكاديمية، للوصول إلى نتائج تدعم رؤية أصحاب القرار في معالجة هذا الإشكال البسيط بدلا من تحوله إلى ظاهرة.
وأخيرا.. ستظهر دراسات وتحليلات وقراءات كثيرة تحاول أن تعيد الأسباب إلى التحولات الاجتماعية التي نعيشها، متكئين على «نوستالجيا مرضية للصحوة» داخل بعض النفوس، وغافلين عن مشروع حقيقي وبناء، طرحه ولي العهد، وتم نشره على نطاق واسع بعنوان «جودة الحياة» كعملية إنقاذ سريعة وفعالة للجسد الاجتماعي السعودي من سرطان الصحوة المعطل للتنمية والرفاه والسعادة والاستقلال المادي والنفسي لأبنائنا وبناتنا. ولهذا فهل لنا أن نقول إن الحادثة المشار إليها في أول المقال ليست سوى بقايا نتائج سرطانية لثقافة صحوية تخالف ما كان عليه آبائنا؟، فلا يوجد بين غالبية أبناء جزيرة العرب قبل الصحوة من تزوج زوجته وهو لم يعرفها قبل الزواج معرفة إنسان لإنسان، وليس معرفة «نظرة لجسد» لا نستطيع أن ننسبها للشرع ولو سميت «نظرة شرعية»، يقوم فيها الخاطب بالحضور لمجلس أهل الفتاة، ليتم إدخالها عليه كنوع من العرض السريع، يشبه إدخال مزايين الإبل في الحلبة المخصصة لذلك، غافلين عما يترسب في نفس الفتاة من أن هويتها تكمن في فراش الزوجية فقط، ولا بأس من استعراض مهاراتها كعاملة منزلية، وغافلين عن تغيرات الحياة التي يترتب عليها ضرورة اكتساب الشاب أيضا مهاراته في عمل المنزل، فالحياة الزوجية في القرن الحادي والعشرين لا علاقة لها أبدا، لا من قريب ولا من بعيد، بحياة الصحوة التي تربط المرأة بالمنزل حتى الموت، ولكنها أقرب لحياة الجَدَّات العاملات في الحقول والمزارع وفي الأسواق وفي الرعي... إلخ من مهارات حياتية طبيعية عاشها 6 مليارات إنسان على هذا الكوكب، وتطوروا مع تطور الحياة ووسائلها حولهم، باستثناء من ربتهم الصحوة، ليصل بعض بناتهم إلى شهادة الدكتوراه، ولكنها لا تملك من مهارات الحياة في الفضاء العمومي ما يساوي مهارة غلام في المرحلة المتوسطة، ومن تجاوزت ذلك منهن اتجهت إلى «داعش» كمنفذ وحيد لحياة تظنها طبيعية، كما ورد بأخبار قبل بضع سنوات في الصحافة السعودية عن وفاء اليحيى، أستاذة في قسم أصول الفقه بجامعة الملك سعود، التي اتجهت مع أبنائها الثلاثة من اليمن إلى العراق، ووفاء الشهري، زوجة نائب زعيم تنظيم «القاعدة» في اليمن، وندى القحطاني التي بايعت «البغدادي» في 2013، ومطلقة ساجر، وهي معلمة تجاوزت الأربعين، هربت إلى مناطق الصراع، وريما الجريش التي هربت لليمن في 2014، وأروى بغدادي التي تخلفت عن حضور جلسات المحكمة الجزائية المتخصصة لتورطها مع تنظيم «القاعدة»... إلخ.
وأخيرا.. هل بإمكان الصحوة بشروطها الاجتماعية أن تتغلغل في الوسط الاجتماعي دون اقتصاد ريعي؟. هذا شبه مستحيل، ولهذا فإن الصحوة ستقضي نحبها بهدوء دون مشيعين، لسببين: الأول إعلان الحرب عليها من قِبل ولي العهد، قولا وفعلا، وثانيا قيام ولي العهد بجراحة معقدة ودقيقة لجسد «الاجتماع الاقتصادي» ضد ورم «الاقتصاد الريعي»، وهذه الجراحة هي الأصعب بمراحل من معركته ضد الصحوة في سبيل القفز بشبابنا وشاباتنا إلى «مجتمع الإنتاج الناهض النابض بالحياة» بدلا من «مجتمع الريع الخامل المترهل»، وكلنا ثقة في أن سليل عبدالعزيز آل سعود لن يدخر جهدا في الخروج بنا من عنق الزجاجة الذي يعيشه العالم «اقتصاديا»، في وقت نرى فيه الدول حولنا تضبع في مشيتها إما مكسورة القدمين أو مشلولة العضلات.
على مستوى علم النفس الإكلينيكي، يذكر أن مجلس الشورى رفض توصية بشأن التوسع في فحص ما قبل الزواج، ليشمل فحص المخدرات والاعتلالات النفسية. وفي هذا الطرح مزيد من الضبط الإجرائي في قضايا الزواج، ولكنه في أحد أشكاله تحكم ربما له ارتدادات ثقيلة على المجتمع، خصوصا أن فحص المخدرات والاعتلالات النفسية لن يكون للرجل فقط، بل للمرأة أيضا، فالتوصية انشغلت بالرجل، متناسية أن الاختبار الصحي سيشمل المرأة، وانعكاساته عليها أسوأ بأضعاف انعكاساته على الرجل، ولهذا فالمراقبة والمعاقبة بالتوسع في اختبار ما قبل الزواج، ليشمل فحص المخدرات والاعتلالات النفسية للمقدمين على الزواج (رجل وامرأة)، لا يتناسب والواقع الاجتماعي «الذكوري» الذي يغفر للرجل زلته في الإدمان، بل وعلله النفسية، ولا يغفر للمرأة أي زلة.
بالنسبة لعلماء «القانون المدني»، فعليهم النظر في تجارب دول العالم في «تنظيم الأحوال الشخصية» والاستفادة منها، وأشير إلى علماء «القانون المدني»، لأن رجال الشريعة «التقليديين» ما زال بينهم من ينظر للأهلية الجنائية للمتهم وفق منطوق كتب التراث، بل إن منهم من يصر على اعتماد «القيافة» في إثبات النسب، معرضا عما وصل إليه علم «الأحياء الجزيئي» في تحليل الجينات، ولهذا خرجنا بالحديث عن رجال الشريعة «التقليديين»، الذين يعيشون بعقولهم في القرون الوسطى وإن كانت أجسادهم معنا، إلى علماء «قانون مدني» يستطيعون النظر فيما ينفع الناس وفق منظومة تدرك أنها مرتبطة بمواثيق واتفاقيات دولية لا علاقة لها بكل أدبيات «دار الإسلام ودار الحرب» الكلاسيكية، بالإضافة إلى تفادي ما قد يحصل من آراء فقهوية، تعيد لنا سخرية العالم أجمع، بما فيه العالم الإسلامي، على فتوى أحدهم عن «جواز رضاعة الكبير» كحل «شرعي» لظاهرة العمالة المنزلية.
بقينا في الدور المناط بعلماء الاجتماع في الجامعات السعودية، وخصوصا المتقاعدين منهم، لأنهم أكثر حرية في البحث العلمي، وفي إبداء آرائهم ممن يعيش إكراهات البيروقراطية الأكاديمية، للوصول إلى نتائج تدعم رؤية أصحاب القرار في معالجة هذا الإشكال البسيط بدلا من تحوله إلى ظاهرة.
وأخيرا.. ستظهر دراسات وتحليلات وقراءات كثيرة تحاول أن تعيد الأسباب إلى التحولات الاجتماعية التي نعيشها، متكئين على «نوستالجيا مرضية للصحوة» داخل بعض النفوس، وغافلين عن مشروع حقيقي وبناء، طرحه ولي العهد، وتم نشره على نطاق واسع بعنوان «جودة الحياة» كعملية إنقاذ سريعة وفعالة للجسد الاجتماعي السعودي من سرطان الصحوة المعطل للتنمية والرفاه والسعادة والاستقلال المادي والنفسي لأبنائنا وبناتنا. ولهذا فهل لنا أن نقول إن الحادثة المشار إليها في أول المقال ليست سوى بقايا نتائج سرطانية لثقافة صحوية تخالف ما كان عليه آبائنا؟، فلا يوجد بين غالبية أبناء جزيرة العرب قبل الصحوة من تزوج زوجته وهو لم يعرفها قبل الزواج معرفة إنسان لإنسان، وليس معرفة «نظرة لجسد» لا نستطيع أن ننسبها للشرع ولو سميت «نظرة شرعية»، يقوم فيها الخاطب بالحضور لمجلس أهل الفتاة، ليتم إدخالها عليه كنوع من العرض السريع، يشبه إدخال مزايين الإبل في الحلبة المخصصة لذلك، غافلين عما يترسب في نفس الفتاة من أن هويتها تكمن في فراش الزوجية فقط، ولا بأس من استعراض مهاراتها كعاملة منزلية، وغافلين عن تغيرات الحياة التي يترتب عليها ضرورة اكتساب الشاب أيضا مهاراته في عمل المنزل، فالحياة الزوجية في القرن الحادي والعشرين لا علاقة لها أبدا، لا من قريب ولا من بعيد، بحياة الصحوة التي تربط المرأة بالمنزل حتى الموت، ولكنها أقرب لحياة الجَدَّات العاملات في الحقول والمزارع وفي الأسواق وفي الرعي... إلخ من مهارات حياتية طبيعية عاشها 6 مليارات إنسان على هذا الكوكب، وتطوروا مع تطور الحياة ووسائلها حولهم، باستثناء من ربتهم الصحوة، ليصل بعض بناتهم إلى شهادة الدكتوراه، ولكنها لا تملك من مهارات الحياة في الفضاء العمومي ما يساوي مهارة غلام في المرحلة المتوسطة، ومن تجاوزت ذلك منهن اتجهت إلى «داعش» كمنفذ وحيد لحياة تظنها طبيعية، كما ورد بأخبار قبل بضع سنوات في الصحافة السعودية عن وفاء اليحيى، أستاذة في قسم أصول الفقه بجامعة الملك سعود، التي اتجهت مع أبنائها الثلاثة من اليمن إلى العراق، ووفاء الشهري، زوجة نائب زعيم تنظيم «القاعدة» في اليمن، وندى القحطاني التي بايعت «البغدادي» في 2013، ومطلقة ساجر، وهي معلمة تجاوزت الأربعين، هربت إلى مناطق الصراع، وريما الجريش التي هربت لليمن في 2014، وأروى بغدادي التي تخلفت عن حضور جلسات المحكمة الجزائية المتخصصة لتورطها مع تنظيم «القاعدة»... إلخ.
وأخيرا.. هل بإمكان الصحوة بشروطها الاجتماعية أن تتغلغل في الوسط الاجتماعي دون اقتصاد ريعي؟. هذا شبه مستحيل، ولهذا فإن الصحوة ستقضي نحبها بهدوء دون مشيعين، لسببين: الأول إعلان الحرب عليها من قِبل ولي العهد، قولا وفعلا، وثانيا قيام ولي العهد بجراحة معقدة ودقيقة لجسد «الاجتماع الاقتصادي» ضد ورم «الاقتصاد الريعي»، وهذه الجراحة هي الأصعب بمراحل من معركته ضد الصحوة في سبيل القفز بشبابنا وشاباتنا إلى «مجتمع الإنتاج الناهض النابض بالحياة» بدلا من «مجتمع الريع الخامل المترهل»، وكلنا ثقة في أن سليل عبدالعزيز آل سعود لن يدخر جهدا في الخروج بنا من عنق الزجاجة الذي يعيشه العالم «اقتصاديا»، في وقت نرى فيه الدول حولنا تضبع في مشيتها إما مكسورة القدمين أو مشلولة العضلات.