الأمير بندر بن سلطان عندما أرسله الملك فهد إلى الصين، للمفاوضة على شراء الصواريخ أرض - أرض «رياح الشرق»، استقبلوه في سيارات ستائرها مغلقة، واستضافوه والوفد المرافق له في فلل صغيرة، وطلبوا منهم عدم فتح الستائر، ولكن عندما نظر مدير مكتبه عبدالعزيز ناظر، للخارج، طلب منه القدوم للنافذة، ووجد وفداً إيرانياً بالفيلا المجاورة، قدموا أيضاً لشراء الأسلحة. هذا الموقف يثبت بأنه لا مانع لدى الصين من أن تبيع الأسلحة لطرفين يحتمل بينها الحرب، طالما ذلك في مصلحتها الاقتصادية. الصين التي كانت تبيع الأسلحة لإيران والعراق رغم وجود حرب قائمة بينهما عام 1984، الصين التي كانت تستضيف في فيلتين متجاورتين وفدين سعودي وإيراني تبيع لهما السلاح، رغم التوتر السياسي، واحتمال اشتعال حرب مستقبلية بينهما، هي الصين نفسها التي تسعى الآن في الوقت ذاته، لضخ مشاريع تنموية بمليارات الدولارات في دول الخليج، وفي إيران، وهي الصين نفسها، التي عندما قام رئيسها بجولة في الشرق الأوسط عام 2016، زارالسعودية أولاً، وافتتح مع الملك سلمان حفظه الله مصفاة ياسرف، المشروع المشترك بين شركتي أرامكو السعودية وسينوبك الصينية، وبعدها بثلاثة أيام فقط كان في العاصمة الإيرانية، يناقش مع رئيس حكومتها الشراكة الصينية الإيرانية، الشراكة المترجمة لاتفاقية محتملة، التي نتابع مجرياتها مؤخرا، والذي حفز من العمل على تجهيز هذه الاتفاقية الضخمة بقيمة 400 مليار دولار، رغم أن بداية الفكرة كانت عام 2016، هو الضغط الكبير الذي تواجهه إيران، بعد تولي الرئيس الأمريكي ترمب الرئاسة الأمريكية، ما دفع إيران للبحث عن حليف يعزز موقفها الضعيف دوليا، وهو ما حث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لزيارة الصين العام الماضي، وطرح مسودة الاتفاق الذي يتضمن منح إيران للصين فرصا لاستثمار 400 مليار دولار، في محاولة من إيران لكسر العزلة الدولية التي تعاني منها حاليا، وكسب حليف قوي، يتمتع بجاذبية اقتصادية قوية كالتي تملكها جمهورية الصين الشعبية. ورغم تحفظ الحكومة الصينية بالإعلان عن مجريات الاتفاقية مع إيران في وسائل الإعلام، إلا أن إيران سارعت بنشر الخبر، لإيصال رسالة للغرب، بأن محاولات عزلها لن تنجح. ونشر الخبر من قبل إيران، يبدو أنه سبب إزعاجا للحكومة الصينية، التي تقوم بعض مراكز الدراسات بها حاليا ببحث تأثير اتفاقيتها مع إيران في علاقتها بدول الخليج، وحسب تسريبات المسودة فإنه لن يكون هناك وجود عسكري للصين في إيران، بل شراكة عسكرية، كالتدريب المتبادل، والدعم في صناعة الأسلحة، ومسودة الاتفاق هذه ما زالت تخضع للتعديل من الجانب الصيني، وبعد ذلك سيعرض على مجلس الشورى في إيران، الذي يوجد بعض المعارضين بداخله لهذه الاتفاقية، ولذلك ربما لن يتم إنهاء إجراءات الاتفاق في حالة رفض الأغلبية من مجلس الشورى الإيراني لرأي بعض أعضائها أن هذه الاتفاقية ستمنح الصين قوة وسيطرة على إيران مستقبلا.
عندما نتحدث عن تأثير الاتفاق الصيني الإيراني في مستقبل علاقات دول الخليج بالصين، يجب ألا نغفل سياسة الصين في المنطقة، التي تحاول أن تكون الدولة القريبة من الجميع، ولها علاقات مع الجميع، ولا تنحاز لدولة دون أخرى، كما تفعل الولايات المتحدة في المنطقة، التي وقفت مع إيران ضد دول الخليج، أثناء فترة حكم أوباما، أو تقف مع دول الخليج ضد إيران، كما هي سياسة ترمب الحالية، ودول الخليج تعي تماما محاولات الصين الجادة بأن تكون على مسافة واحدة من الطرفين دول الخليج وإيران، وتعي تماما سياسة المناكفة التي تنتهجها الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر التقرب لإيران، وكذلك خطتها لتنفيذ مبادرتها «حزام واحد طريق واحد»، وتتفهم بأن الصين المستورد الأكبر للبترول في العالم، تنتهج سياسة عدم الاعتماد في مصادر الطاقة التي تحتاج إليها على طرف واحد، بل تبحث دائما عن تنويع مصادرها من الطاقة، لتقليل المخاطر المحتملة في حالة وجود أي عائق مستقبلا، ولذلك هي تحرص بشدة على أن تحتفظ بالمسافة نفسها في علاقاتها مع الدول النفطية. صحيح أن الدعم الذي ستحصل عليه إيران من اتفاقيتها مع الصين قد يساهم في محاولات إيران لزعزعة استقرار المنطقة، ولكن ذلك لن يؤثر في علاقة دول الخليج المستقبلية بالصين إلا في حالة دعم الأخيرة السياسي والعسكري لإيران ضد دول الخليج، وهذا الاحتمال غير وارد لمصالح الصين الكبيرة مع دول الخليج، التي تحاول الصين دعم أمنها قدر الإمكان للحفاظ على مصالحها المشتركة معها، بل قد تكون استثماراتها الاقتصادية في إيران مستقبلا أداة ضغط تستخدمها الصين ضد إيران لمنعها من أي محاولات قد تؤثر في استثمارات الصين في دول الخليج، ولذلك الخطر الحقيقي ليس في الاتفاقية الصينية الإيرانية، بل في مدى توسع الصين باستثماراتها «القوة الناعمة» في دول الخليج، التي ربما ستستخدمها مستقبلا كأداة ضغط لتنفيذ سياستها ومصالحها، كما فعلتها الاستثمارات الصينية التي تزايدت في أوروبا نظرا لتراجع الاقتصاد الأمريكي. يقول رئيس وزراء الدنمارك السابق بين عامي 2009-2001 «أندرس فوج راسمسون» في مقالة نشرها بصحيفة «الفاينشيال تايمز» البريطانية، إن الاستثمارات الصينية الكبيرة في أوروبا، قد أثرت بالفعل في قرارات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حيث نجحت دول الاتحاد الأوروبي، والتي تتمتع باستثمارات صينية كبيرة، في أن تسقط بيانا عقب حُكم ادعى فيه أن حقوق بكين البحرية، والموارد البحرية في بحر الصين الجنوبي لا تتفق مع القانون الدولي. وإعاقة اليونان لبيان ينتقد سجل حقوق الإنسان في الصين. إذا كانت الاستثمارات الصينية قد نجحت في كسب قوة سياسية في أوروبا، فكيف سيكون الوضع في دول الخليج، التي استثمرت فيها الصين بمليارات الدولارات خلال الأعوام الماضية، آخرها العام 2019 إذ بلغت قيمة عقود الشركات الصينية 5.5 مليارات دولار في السعودية، و4.32 مليارات في الإمارات، و970 مليون دولار في سلطنة عمان، ومن يناير حتى ديسمبر 2019، وصل الاستثمار المباشر للشركات الصينية في السعودية إلى 180 مليون دولار. هذه الاستثمارت المتزايدة عاما بعد عام خطرها سيكون أكبر على دول الخليج من اتفاقية الصين الإيرانية، وستكون قوة تملكها الصين، وتستخدمها كأداة ضغط عند تعارض مصالحها مع مصالح دول الخليج. أعتقد أنه يجب الموازنة في السماح بالاستثمارات الصينية في دول الخليج، ونجعلها في حدود الاستثمار الذي لا يمكنه التأثير في أي قرار نتخذه مستقبلا.
عندما نتحدث عن تأثير الاتفاق الصيني الإيراني في مستقبل علاقات دول الخليج بالصين، يجب ألا نغفل سياسة الصين في المنطقة، التي تحاول أن تكون الدولة القريبة من الجميع، ولها علاقات مع الجميع، ولا تنحاز لدولة دون أخرى، كما تفعل الولايات المتحدة في المنطقة، التي وقفت مع إيران ضد دول الخليج، أثناء فترة حكم أوباما، أو تقف مع دول الخليج ضد إيران، كما هي سياسة ترمب الحالية، ودول الخليج تعي تماما محاولات الصين الجادة بأن تكون على مسافة واحدة من الطرفين دول الخليج وإيران، وتعي تماما سياسة المناكفة التي تنتهجها الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر التقرب لإيران، وكذلك خطتها لتنفيذ مبادرتها «حزام واحد طريق واحد»، وتتفهم بأن الصين المستورد الأكبر للبترول في العالم، تنتهج سياسة عدم الاعتماد في مصادر الطاقة التي تحتاج إليها على طرف واحد، بل تبحث دائما عن تنويع مصادرها من الطاقة، لتقليل المخاطر المحتملة في حالة وجود أي عائق مستقبلا، ولذلك هي تحرص بشدة على أن تحتفظ بالمسافة نفسها في علاقاتها مع الدول النفطية. صحيح أن الدعم الذي ستحصل عليه إيران من اتفاقيتها مع الصين قد يساهم في محاولات إيران لزعزعة استقرار المنطقة، ولكن ذلك لن يؤثر في علاقة دول الخليج المستقبلية بالصين إلا في حالة دعم الأخيرة السياسي والعسكري لإيران ضد دول الخليج، وهذا الاحتمال غير وارد لمصالح الصين الكبيرة مع دول الخليج، التي تحاول الصين دعم أمنها قدر الإمكان للحفاظ على مصالحها المشتركة معها، بل قد تكون استثماراتها الاقتصادية في إيران مستقبلا أداة ضغط تستخدمها الصين ضد إيران لمنعها من أي محاولات قد تؤثر في استثمارات الصين في دول الخليج، ولذلك الخطر الحقيقي ليس في الاتفاقية الصينية الإيرانية، بل في مدى توسع الصين باستثماراتها «القوة الناعمة» في دول الخليج، التي ربما ستستخدمها مستقبلا كأداة ضغط لتنفيذ سياستها ومصالحها، كما فعلتها الاستثمارات الصينية التي تزايدت في أوروبا نظرا لتراجع الاقتصاد الأمريكي. يقول رئيس وزراء الدنمارك السابق بين عامي 2009-2001 «أندرس فوج راسمسون» في مقالة نشرها بصحيفة «الفاينشيال تايمز» البريطانية، إن الاستثمارات الصينية الكبيرة في أوروبا، قد أثرت بالفعل في قرارات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حيث نجحت دول الاتحاد الأوروبي، والتي تتمتع باستثمارات صينية كبيرة، في أن تسقط بيانا عقب حُكم ادعى فيه أن حقوق بكين البحرية، والموارد البحرية في بحر الصين الجنوبي لا تتفق مع القانون الدولي. وإعاقة اليونان لبيان ينتقد سجل حقوق الإنسان في الصين. إذا كانت الاستثمارات الصينية قد نجحت في كسب قوة سياسية في أوروبا، فكيف سيكون الوضع في دول الخليج، التي استثمرت فيها الصين بمليارات الدولارات خلال الأعوام الماضية، آخرها العام 2019 إذ بلغت قيمة عقود الشركات الصينية 5.5 مليارات دولار في السعودية، و4.32 مليارات في الإمارات، و970 مليون دولار في سلطنة عمان، ومن يناير حتى ديسمبر 2019، وصل الاستثمار المباشر للشركات الصينية في السعودية إلى 180 مليون دولار. هذه الاستثمارت المتزايدة عاما بعد عام خطرها سيكون أكبر على دول الخليج من اتفاقية الصين الإيرانية، وستكون قوة تملكها الصين، وتستخدمها كأداة ضغط عند تعارض مصالحها مع مصالح دول الخليج. أعتقد أنه يجب الموازنة في السماح بالاستثمارات الصينية في دول الخليج، ونجعلها في حدود الاستثمار الذي لا يمكنه التأثير في أي قرار نتخذه مستقبلا.